تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٧٤
نزل مبنيا للمفعول؛ وزيد بن علي، وابن مقسم: نزل مبنيا للفاعل؛ والأعمش: أنزل معدى بالهمزة مبنيا للمفعول. وقرئ: نزل ثلاثيا. * (كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم) *: أي حالهم، قاله قتادة؛ وشأنهم، قاله مجاهد؛ وأمرهم، قاله ابن عباس. وحقيقة لقظ البال أنها بمعنى الفكر، والموضع الذي فيه نظر الإنسان وهو القلب. فإذا صلح ذلك، فقد صلحت حاله، فكأن اللفظ مشير إلى صلاح عقيدتهم، وغير ذلك من الحال تابع.
* (ذالك) *: إشارة إلى ما فعل بالكفار من إضلال أعمالهم، وبالمؤمنين من تكفير سيآتهم وإصلاح حالهم. وذلك مبتدأ وما بعده الخبر، أي كائن بسبب اتباع هؤلاء الباطل وهؤلاء الحق. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون ذلك خبر مبتدأ محذوف تقديره الأمر ذلك، أي كما ذكر بهذا السبب، فيكون محل الجار والمجرور منصوبا. انتهى. ولا حاجة إلى الإضمار مع صحة الوجه وعدم الإضمار. والباطل: ما لا ينتفع به. وقال مجاهد: الشيطان وكل ما يأمر به؛ والحق: هو الرسول والشرع، وهذا الكلام تسميه علماء البيان: التفسير. * (كذالك يضرب) *: قال ابن عطية: الإشارة إلى اتباع المذكورين من الفريقين، أي كما اتبعوا هذين السبيلين، كذلك يبين أمر كل فرقة، ويجعل لها ضربها من القول وصفها؛ وضرب المثل من الضرب الذي هو بمعنى النوع. وقال الزمخشري: كذلك، أي مثل ذلك الضرب. * (يضرب الله للناس أمثالهم) * لأجل الناس ليعتبروا بهم. فإن قلت: أين ضرب الأمثال؟ قلت: في أن جعل اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار، واتباع الحق مثلا لعمل المؤمنين؛ أو في أن جعل الإضلال مثلا لخيبة الكفار، وتكفير السيئات مثلا لفوز المؤمنين.
* (فإذا لقيتم الذين كفروا) *: أي في أي زمان لقيمتوهم، فاقتلوهم. وفي قوله: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) *، أي في أي مكان، فعم في الزمان وفي المكان. وقال الزمخشري: لقيتم، من اللقاء، وهو الحرب. انتهى. * (فضرب الرقاب) *: هذا من المصدر النائب مناب فعل الأمر، وهم مطرد فيه، وهو منصوب بفعل محذوف فيه، واختلف فيه إذا انتصب ما بعده فقيل: هو منصوب بالفعل الناصب للمصدر؛ وقيل: هو منصوب بنفس المصدر لنيابته عن العامل فيه، ومثاله: ضربا زيدا، كما قال الشاعر:
* على حين ألهى الناس جل أمورهم * فندلا زريق المال ندل الثعالب * وهذا هو الصحيح، ويدل على ذلك قوله: * (فضرب الرقاب) *، وهو إضافة المصدر للمفعول، ولو لم يكن معمولا له، ما جازت إضافته إليه. وضرب الرقاب عبارة عن القتل؛ ولما كان القتل للإنسان أكثر ما يكون بضرب رقبته، عبر بذلك عن القتل، ولا يراد خصوصية الرقاب، فإنه لا يكاد تتأتى حالة الحرب أن تضرب الرقاب، وإنما يتأتى القتال في أي موضع كان من الأعضاء. ويقال: ضرب الأمير رقبة فلان، وضرب عنقه وعلاوته وما فيه عيناه، إذا قتله، كما عبر بقوله: * (بما كسبت * أيديكم) * عن سائر الأفعال، لما كان أكثر الكسب منسوبا إلى الأيدي. قال الزمخشري: وفي هذه العبارة من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل، لما فيه من تصوير القتل بأشنع صورة، وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأوجه أعضائه. وقد زاد في هذه في قوله: * (فوق الاعناق واضربوا منهم كل بنان) *. انتهى. ولما في ذلك من تشجيع المؤمنين، وأنهم من الكفار بحيث هم متمسكون منهم إذا أمروا بضرب رقابهم. * (حتى إذا أثخنتموهم) *: أي أكثرتم القتل فيهم، وهذه غاية للضرب، فإذا وقع الإثخان وتمكنوا من أخذ من لم يقتل وشدوا وثاق الأسرى، * (فإما منا) * بالإطلاق، * (وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها) *: أي أثقالها وآلاتها. ومنه قول عمرو بن معدي كرب:
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»