تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٦٤
إنذاره؛ ويحتمل أن يكون اعتراضا بين إنذار قومه وأن لا تعبدوا. والمعنى: وقد أنذر من تقدمه من الرسل، ومن تأخر عنه مثل ذلك، فاذكرهم.
* (قالوا أجئتنا) *: استفهام تقرير، وتوبيخ وتعجيز له فيما أنذره إياهم من العذاب العظيم على ترك إفراد الله بالعبادة. * (لتأفكنا) *: لتصرفنا، قاله الضحاك؛ أو لتزيلنا عن آلهتنا بالإفك، وهو الكذب، أي عن عبادة آلهتنا، * (فأتنا بما تعدنا) *: استعجال منهم بحلول ما وعدهم به من العذاب. ألا ترى إلى قوله: بل هو ما استعجلتم به؟ * (قال إنما العلم عند الله) *: أي علم وقت حلوله، وليس تعيين وقته إلي، وإنما أنا مبلغ ما أرسلني به الله إليكم. ولما تحقق عنده وعد الله، وأنه حال بهم وهم في غفلة من ذلك وتكذيب، قال: * (ولاكنى أراكم قوما تجهلون) *: أي عاقبة أمركم لا شعور لكم بها، وذلك واقع لا محالة. وكانت عاد قد حبس الله عنها المطر أياما، فساق الله إليهم سحابة سوداء خرجت عليهم من واد يقال له المغيث، فاستبشروا. والضمير في * (رأوه) * الظاهر أنه عائد على ما في قوله: * (بما تعدنا) *، وهو العذاب، وانتصب عارضا على الحال من المفعول. وقال ابن عطية، ويحتمل أن يعود على الشيء المرئي الطالع عليهم، الذي فسره قوله: * (عارضا) *.
وقال الزمخشري: * (فلما رأوه) *، في الضمير وجهان: أن يرجع إلى ما تعدنا، وأن يكون مبهما، قد وضح أمره بقوله: * (عارضا) *، إما تمييز وإما حال، وهذا الوجه أعرب وأفصح. انتهى. وهذا الذي ذكر أنه أعرب وأفصح ليس جاريا على ما ذكره النحاة، لأن المبهم الذي يفسره ويوضحه التمييز لا يكون إلا في باب رب، نحو: رب رجلا لقيته، وفي باب نعم وبئس على مذهب البصريين، نحو: نعم رجلا زيد، وبئس غلاما عمرو. وأما أن الحال يوضح المبهم ويفسره، فلا نعلم أحدا ذهب إليه، وقد حضر النحاة المضمر الذي يفسره ما بعده، فلم يذكروا فيه مفعول رأي إذا كان ضميرا، ولا أن الحال يفسر الضمير ويوضحه. والعارض: المعترض في الجو من السحاب الممطر، ومنه قول الشاعر:
* يا من رأى عارضا أرقت له * بين ذراعي وجبهة الأسد * وقال الأعشى:
* يا من رأى عارضا قد بث أرمقه * كأنها البرق في حافاتها الشعل * * (مستقبل أوديتهم) *: هو جمع واد، وأفعلة في جمع فاعل. الاسم شاذ نحو: ناد وأندية، وجائز وأجوزة. والجائز: الخشبة الممتدة في أعلى السقف، وإضافة مستقبل وممطر إضافة لا تعرف، فلذلك نعت بهما النكرة. * (بل هو ما استعجلتم) *: أي قال لهم هو ذلك، أي بل هو العذاب الذي استعجلتم به، أضرب عن قولهم: * (عارض ممطرنا) *، وأخبر بأن العذاب فاجأهم، ثم قال: * (ريح) *: أي هي ريح بدل من هو. وقرأ: ما استعجلتم، بضم التاء وكسر الجيم، وتقدمت قصص في الريح، فأغنى عن ذكرها هنا. * (تدمر) *: أي تهلك، والدمار: الهلاك، وتقدم ذكره. وقرأ زيد بن علي: تدمر، بفتح التاء وسكون الدال وضم الميم. وقرئ كذلك إلا أنه بالياء ورفع كل، أي يهلك كل شيء، وكل شيء عام مخصوص، أي من نفوسهم وأموالهم، أو من أمرت بتدميره. وإضافة الرب إلى الريح دلالة على أنها وتصريفها مما يشهد بباهر قدرته تعالى، لأنها من أعاجيب خلقه وأكابر جنوده. وذكر الأمر لكونها مأمورة من جهته تعالى. وقرأ الجمهور: لا ترى بتاء الخطاب، إلا مساكنهم، بالنصب؛ وعبد الله، ومجاهد، وزيد بن علي، وقتادة، وأبو حيوة، وطلحة، وعيسى، والحسن، وعمرو بن ميمون: بخلاف عنهما؛ وعاصم، وحمزة: لا يرى بالياء من تحت مضمومة إلا مساكنهم بالرفع. وأبو رجاء، ومالك بن دينار: بخلاف عنهما.
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»