قال: (أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم) انتهى. قال ذلك عليه الصلاة والسلام عندما نزلت هذه السورة وقرأها.
وقال ابن عباس: الكوثر: الخير الكثير. وقيل لابن جبير: إن ناسا يقولون: هو نهر في الجنة، فقال: هو من الخير الكثير. وقال الحسن: الكوثر: القرآن. وقال أبو بكر بن عباس ويمان بن وثاب: كثرة الأصحاب والأتباع. وقال هلال بن يساف: هو التوحيد. وقال جعفر الصادق: نور قلبه دله على الله تعالى وقطعه عما سواه.
وقال عكرمة: النبوة. وقال الحسن بن الفضل: تيسير القرآن وتخفيف الشرائع. وقال ابن كيسان: الإيثار. وينبغي حمل هذه الأقوال على التمثيل، لا أن الكوثر منحصر في واحد منها. والكوثر فوعل من الكثرة، وهو المفرط الكثرة. قيل لأعرابية رجع ابنها من السفر: بم آب ابنك؟ قالت: آب بكوثر. وقال الشاعر:
* وأنت كثير يا ابن مروان طيب * وكان أبوك ابن العقائل كوثرا * * (فصل لربك وانحر) *: الظاهر أن فصل أمر بالصلاة يدخل فيها المكتوبات والنوافل. والنحر: نحر الهدى والنسك والضحايا، قاله الجمهور؛ ولم يكن في ذلك الوقت جهاد فأمر بهذين. قال أنس: كان ينحر يوم الأضحى قبل الصلاة، فأمر أن يصلي وينحر، وقاله قتادة. وقال ابن جبير: نزلت وقت صلح الحديبية. قيل له: صل وانحر الهدى، فعلى هذا الآية من المدني. وفي قوله: * (لربك) *، تنذير بالكفار حيث كانت صلاتهم مكاء وتصدية، ونحرهم للأصنام. وعن علي، رضي الله تعالى عنه: صل لربك وضع يمينك على شمالك عند نحرك في الصلاة. وقيل: ارفع يديك في استفتاح صلاتك عند نحرك. وعن عطية وعكرمة: هي صلاة الفجر بجمع، والنحر بمنى. وقال الضحاك: استو بين السجدتين جالسا حتى يبد ونحرك. وقال أبو الأحوص: استقبل القبلة بنحرك.
* (إن شانئك) *: أي مبغضك، تقدم أنه العاصي بن وائل. وقيل: أبو جهل. وقال ابن عباس: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم) خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال: بتر محمد، فأنزل الله تعالى: * (إن شانئك هو الابتر) *. وقال شمر بن عطية: هو عقبة بن أبي معيط. وقال قتادة: الأبتر هنا يراد به الحقير الذليل. وقرأ الجمهور: * (شانئك) * بالألف؛ وابن عباس: شينك بغير ألف. فقيل: مقصور من شاني، كما قالوا: برر وبر في بارر وبار. ويجوز أن يكون بناء على فعل، وهو مضاف للمفعول إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال؛ وإن كان بمعنى الماضي فتكون إضافته لا من نصب على مذهب البصريين. وقد قالوا: حذر أمورا ومزقون عرضي، فلا يستوحش من كونه مضافا للمفعول، وهو مبتدأ، والأحسن الأعرف في المعنى أن يكون فصلا، أي هو المنفرد بالبتر المخصوص به، لا رسول الله صلى الله عليه وسلم). فجميع المؤمنين أولاده، وذكره مرفوع على المنائر والمنابر، ومسرود على لسان كل عالم وذاكر إلى آخر الدهر. يبدأ بذكر الله تعالى ويثني بذكره صلى الله عليه وسلم)، وله في الآخرة ما لا يدخل تحت الوصف صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وشرف وكرم.