بذل الطعام للمسكين. جعل علم التكذيب بالجزاء، منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف، انتهى. وقرأ الجمهور: * (يدع) * بضم الدال وشد العين؛ وعلي والحسن وأبو رجاء واليماني: بفتح الدال وخف العين، أي يتركه بمعنى لا يحسن إليه وبجفوه. وقرأ الجمهور: * (ولا يحض) * مضارع حض؛ وزيد بن علي: يحاض مضارع حاضضت. وقال ابن عباس: * (بالدين) *: بحكم الله. وقال مجاهد: بالحساب، وقيل: بالجزاء، وقيل: بالقرآن. وقال إبراهيم ابن عرفة: * (يدع اليتيم) *: يدفعه عن حقه. وقال مجاهد: يدفعه عن حقه ولا يطعمه، وفي قوله: * (ولا يحض) * إشارة إلى أنه هو لا يطعم إذا قدره، وهذا من باب الأولى، لأنه إذا لم يحض غيره بخلا، فلان يترك هو ذلك فعلا أولى وأحرى، وفي إضافة طعام إلى المسكين دليل على أنه يستحقه.
ولما ذكر أولا عمود الكفر، وهو التكذيب بالدين، ذكر ما يترتب عليه مما يتعلق بالخالق، وهو عبادته بالصلاة، فقال: * (فويل للمصلين) *. والظاهر أن المصلين هم غير المذكور. وقيل: هو داع اليتيم غير الحاض، وأن كلا من الأوصاف الذميمة ناشىء عن التكذيب بالدين، فالمصلون هنا، والله أعلم، هم المنافقون، ثبت لهم الصلاة، وهي الهيئات التي يفعلونها. ثم قال: * (الذين هم عن صلاتهم ساهون) *، نظرا إلى أنهم لا يوقعونها، كما يوقعها المسلم من اعتقاد وجوبها والتقرب بها إلى الله تعالى. وفي الحديث عن صلاتهم ساهون: (يؤخرونها عن وقتها تهاونا بها). قال مجاهد: تأخير ترك وإهمال. وقال إبراهيم: هو الذي إذا سجد قال برأسه هكذا ملتفتا. وقال قتادة: هو الترك لها، أو هم الغافلون الذين لا يبالي أحدهم أصلى أم لم يصل. وقال قطرب: هو الذي لا يقر ولا يذكر الله تعالى. وقال ابن عباس: المنافقون يتركون الصلاة سرا ويفعلونها علانية، * (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) *، ويدل على أنها في المنافقين قوله تعالى: * (الذين هم يراءون) *، وقاله ابن وهب عن مالك. قال ابن عباس: ولو قال في صلاتهم لكانت في المؤمنين. وقال عطاء: الحمد لله الذي قال عن صلاتهم ولم يقل في صلاتهم.
وقال الزمخشري: بعد أن قدم فيما نقلناه من كلامه ما يدل على أن * (فذلك الذى يدع) * في موضع رفع، قال: وطريقة أخرى أن يكون * (فذلك) * عطفا على * (الذى يكذب) *، إما عطف ذات على ذات، أو عطف صفة على صفة، ويكون جواب * (أرأيت) * محذوفا لدلالة ما بعده عليه، كأن قال: أخبرني وما تقول فيمن يكذب بالجزاء، وفيمن يؤذي اليتيم ولا يطعم المسكين، أنعم ما يصنع؟ ثم قال: * (فويل للمصلين) *: أي إذا علم أنه مسيء، * (فويل للمصلين) * على معنى: فويل لهم، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم لأنهم كانوا مع التكذيب، وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين غير مزكين أموالهم. فإن قلت: كيف جعلت المصلين قائما مقام ضمير * (الذى يكذب) *، وهو واحد؟ قلت: معناه الجمع، لأن المراد به الجنس، انتهى. فجعل فذلك في موضع نصب عطفا على المفعول، وهو تركيب غريب، كقولك: أكرمت الذي يزورنا فذلك الذي يحسن إلينا، فالمتبادر إلى الذهن أن فذلك مرفوع بالابتداء، وعلى تقدير النصب يكون التقدير: أكرمت الذي يزورنا فأكرمت ذلك الذي يحسن إلينا. فاسم الإشارة في هذا التقدير غير متمكن تمكن ما هو فصيح، إذ لا حاجة إلى أن يشار إلى الذي يزورنا، بل الفصيح أكرمت الذي يزورنا فالذي يحسن إلينا، أو أكرمت الذي يزورنا فيحسن إلينا. وأما قوله: إما عطف ذات على ذات فلا يصح، لأن فذلك إشارة إلى الذي يكذب، فليسا بذاتين، لأن المشار إليه بقوله: * (فذلك) * هو واحد. وأما قوله: ويكون جواب * (أرأيت) * محذوفا، فلا يسمى جوابا، بل هو في موضع المفعول الثاني لأرأيت. وأما قوله: أنعم ما يصنع، فهمزة الاستفهام لا نعلم دخولها على نعم ولا بئس، لأنهما إنشاء، والاستفهام لا يدخل إلى علي الخبر. وأما وضعه المصلين موضع الضمير، وأن المصلين جمع، لأن ضمير الذي يكذب معناه الجمع، فتكلف واضح ولا ينبغي أن يحمل القرآن إلا على ما اقتضاه ظاهر التركيب، وهكذا عادة هذا الرجل يتكلف أشياء في فهم القرآن ليست بواضحة. وتقدم الكلام في الرياء في سورة البقرة.
وقرأ الجمهور: