تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٥١٦
* الآخذون العهد من آفاقها * والراحلون لرحلة الإيلاف * * والرائشون وليس يوجد رائش * والقائلون هلم للأضياف * * والخالطون غنيهم لفقيرهم * حتى يصير فقيرهم كالكافي * فتكون رحلة هنا اسم جنس يصلح للواحد ولأكثر، وإيلافهم بدل من * (لإيلاف قريش) *، أطلق المبدل منه وقيد البدل بالمفعول به، وهو رحلة، أي لأن ألفوا رحلة تفخيما لأمر الإيلاف وتذكيرا بعظيم النعمة فيه. * (هاذا البيت) *: هو الكعبة، وتمكن هنا هذا اللفظ لتقدم حمايته في السورة التي قبلها، ومن هنا للتعليل، أي لأجل الجوع. كانوا قطانا ببلد غير ذي زرع عرضة للجوع والخوف لولا لطف الله تعالى بهم، وذلك بدعوة إبراهيم عليه السلام. قال تعالى: * (يجبى إليه ثمرات كل شىء) *. * (الذى أطعمهم من) *: فضلهم على العرب بكونهم يأمنون حيث ما حلوا، فيقال: هؤلاء قطان بيت الله، فلا يتعرض إليهم أحد، وغيرهم خائفون. وقال ابن عباس والضحاك: * (الذى أطعمهم من) *: معناه من الجذام، فلا ترى بمكة مجذوما. قال الزمخشري: والتنكير في جوع وخوف لشدتهما، يعني أطعمهم بالرحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلهما، وآمنهم من خوف عظيم، وهو خوف أصحاب الفيل، أو خوف التخطف في بلدهم ومسايرهم. وقرأ الجمهور: * (من خوف) *، بإظهار النون عند الخاء، والمسيبي عن نافع: بإخفائها، وكذلك مع العين، نحو من على، وهي لغة حكاها سيبويه. وقال ابن الأسلت يخاطب قريشا:
* فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا * بأركان هذا البيت بين الأخاشب * * فعندكم منه بلاء ومصدق * غداة أبي مكسوم هادي الكتائب * * كثيبة بالسهل تمشي ورحلة * على العادقات في رؤوس المناقب * * فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم * جنود المليك بين ساق وحاجب * * فولوا سراعا هاربين ولم يؤب * إلى أهله ملجيش غير عصائب *
(٥١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 511 512 513 514 515 516 517 518 519 520 521 ... » »»