تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٢٧٧
((سورة الطلاق)) مدنية بسم الله الرحمن الرحيم 2 (* (ياأيها النبى إذا طلقتم النسآء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا * فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الا خر ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شىء قدرا * واللائى يئسن من المحيض من نسآئكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللاتي لم يحضن وأولات الا حمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا * ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا * أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضآروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فأاتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى * لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممآ ءاتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا مآ ءاتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا * وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا * فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا * أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله ياأولى الألباب الذين ءامنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا يتلو عليكم ءايات الله مبينات ليخرج الذين ءامنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجرى من تحتها الا نهار خالدين فيهآ أبدا قد أحسن الله له رزقا * الله الذى خلق سبع سماوات ومن الا رض مثلهن يتنزل الا مر بينهن لتعلموا أن الله على كل شىء قدير وأن الله قد أحاط بكل شىء علما) *)) 2 * (الحكيم يأيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن) *.
هذه السورة مدنية. قيل: وسبب نزولها طلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم) حفصة، قاله قتادة عن أنس. وقال السدي: طلاق عبد الله بن عمرو. وقيل: فعل ناس مثل فعله، منهم عبد الله بن عمرو بن العاصي، وعمرو بن سعيد بن العاص، وعتبة بن غزوان، فنزلت. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: وهذا وإن لم يصح، فالقول الأول أمثل، والأصح فيه أنه بيان لشرع مبتدأ.
ومناسبتها لما قبلها: أنه لما ذكر الفتنة بالمال والولد، أشار إلى الفتنة بالنساء، وإنهن قد يعرضن الرجال للفتنة حتى لا يجد مخلصا منها إلا بالطلاق، فذكر أنه ينفصل منهن بالوجه الجميل، بأن لا يكون بينهن اتصال، لا بطلب ولد ولا حمل.
* (منتظرون ياأيها النبى) *: نداء للنبي صلى الله عليه وسلم)، وخطاب على سبيل التكريم والتنبيه، * (إذا طلقتم) *: خطاب له عليه الصلاة والسلام مخاطبة الجمع على سبيل التعظيم، أو لأمته على سبيل تلوين الخطاب، أقبل عليه السلام أولا، ثم رجع إليهم بالخطاب، أو على إضمار القول، أي قل لأمتك إذا طلقتم، أو له ولأمته، وكأنه ثم محذوف تقديره: يا أيها النبي وأمة النبي إذا طلقتم، فالخطاب له ولهم، أي أنت وأمتك، أقوال. وقال الزمخشري: خص النبي صلى الله عليه وسلم)، وعم بالخطاب، لأن النبي إمام إمته وقدوتهم. كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان افعلوا كيت وكيت، إظهارا لتقدمه واعتبارا لترؤسه، وأنه مدره قومه ولسانهم، والذي يصدرون عن رأيه ولا يستبدون بأمر دونه، فكان هو وحده في حكم كلهم، وسادا مسد جميعهم. انتهى، وهو كلام حسن.
ومعنى * (إذا طلقتم) *: أي إذا أردتم تطليقهن، والنساء يعني: المدخول بهن، وطلقوهن: أي أوقعوا الطلاق، * (لعدتهن) *: هو على حذف مضاف، أي لاستقبال عدتهن، واللام للتوقيت، نحو: كتبته لليلة بقيت من شهر كذا، وتقدير الزمخشري هنا حالا محذوفة يدل عليها المعنى يتعلق بها المجرور، أي مستقبلات لعدتهن، ليس بجيد، لأنه قدر عاملا خاصا، ولا يحذف العامل في الظرف والجار والمجرور إذا كان
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»