الخلقة، لأن أعضاء بني آدم متصرفة بجميع ما تتصرف فيه أعضاء الحيوان، وبزيادة كثيرة فضل بها. ثم هو مفضل بحسن الوجه وجمال الجوارح، كما قال تعالى: * (لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم) *. وقيل: النعمة هنا إنما هي صورة الإنسان من حيث هو إنسان مدرك عاقل، فهذا هو الذي حسن له حتى لحقته كمالات كثيرة، وتكاد العرب لا تعرف الصورة إلا الشكل، لا المعنى القائم بالصورة.
ونبه تعالى بعلمه بما في السماوات والأرض، ثم بعلمه بما يسر العباد وما يعلنونه، ثم بعلمه بما أكنته الصدور على أنه تعالى لا يغيب عن علمه شيء، لا من الكليات ولا من الجزئيات، فابتدأ بالعلم الشامل للعالم كله، ثم بخاص العباد من سرهم وإعلانهم، ثم ما خص منه، وهو ما تنطوي عليه صدورهم من خفي الأشياء وكامنها، وهذا كله في معنى الوعيد، إذ هو تعالى المجازي على جميع ذلك بالثواب والعقاب. وقرأ الجمهور: * (ما تسرون وما تعلنون) * بتاء الخطاب؛ وعبيد عن أبي عمرو، وأبان عن عاصم: بالياء.
* (ألم يأتكم) *: الخطاب لقريش، ذكروا بما حل بالكفار قبلهم عاد وثمود وقوم إبراهيم وغيرهم ممن صرح بذكرهم في سورة براءة وغيرها، وقد سمعت قريش أخبارهم، * (فذاقوا وبال أمرهم) *: أي مكروههم وما يسوؤهم منه. * (ذالك) *: أي الوبال، * (بأنه) *: أي بأن الشأن والحديث استبعدوا أن يبعث الله تعالى من البشر رسولا، كما استبعدت قريش، فقالوا على سبيل الاستغراب: * (أبشر يهدوننا) *، وذلك أنهم يقولون: نحن متساوون في البشرية، فأنى يكون لهؤلاء تمييز علينا بحيث يصيرون هداة لنا؟ وارتفع * (أبشر) * عند الجوفي وابن عطية على الابتداء، والخبر * (يهدوننا) *، والأحسن أن يكون مرفوعا على الفاعلية، لأن همزة الاستفهام تطلب الفعل، فالمسألة من باب الاشتغال. * (فكفروا) *: العطف بالفاء يدل على تعقب كفرهم مجيء الرسل بالبينات، أي لم ينظروا في تلك البينات ولا تأملوها، بل عقبوا مجيئها بالكفر، * (واستغنى الله) *: استفعل بمعنى الفعل المجرد، وغناه تعالى أزلي، فالمعنى: أنه ظهر تعالى غناه عنهم إذ أهلكهم، وليست استفعل هنا للطلب. وقال الزمخشري: معناه: وظهر استغناء الله حيث لم يلجئهم إلى الإيمان، ولم يضطرهم إليه مع قدرته على ذلك. انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال. والزعم: تقدم تفسيره، والذين كفروا: أهل مكة، وبلى: إثبات لما بعد حرف النفي، * (وذلك على الله يسير) *: أي لا يصرفه عنه صارف.
* (قل ياأيها الناس) *: وهو محمد صلى الله عليه وسلم)، * (والنور الذى أنزلنا) *: هو القرآن، وانتصب * (يوم يجمعكم) * بقوله: * (لتنبؤن) *، أو بخبير، بما فيه من معنى الوعيد والجزاء، أو باذكر مضمرة، قاله الزمخشري؛ والأول عن النحاس، والثاني عن الحوفي. وقرأ الجمهور: يجمعكم بالياء وضم العين ؛ وروي عنه سكونها وإشمامها الضم؛ وسلام ويعقوب وزيد بن علي والشعبي: بالنون. * (ليوم الجمع) *: يجمع فيه الأولون والآخرون، وذلك أن كل واحد يبعث طامعا في الخلاص ورفع المنزلة. * (ذلك يوم التغابن) *: مستعار من تغابن القوم في التجارة، وهو أن يغبن بعضهم بعضا، لأن السعداء نزلوا منازل الأشقياء لو كانوا سعداء، ونزل الأشقياء منازل السعداء لو كانوا أشقياء، وفي الحديث: (ما من عبد يدخل الجنة إلا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا، وما من عبد يدخل النار إلا أرى مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة)، وذلك معنى يوم التغابن. وعن مجاهد وغيره: إذا وقع الجزاء، غبن المؤمنون الكافرين لأنهم يجوزون الجنة وتحصل الكفار في النار. وقرأ الأعرج وشيبة وأبو جعفر وطلحة ونافع وابن عامر والمفضل عن عاصم وزيد بن علي والحسن بخلاف عنه: نكفر وندخله بالنون فيهما؛ والأعمش وعيسى والحسن وباقي السبعة: بالياء فيهما.
قوله عز وجل: * (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شىء عليم * وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين * الله لا إلاه إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون * المؤمنون * يأيها الذين ءامنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم * إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم * فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لانفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون * إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم * عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم) *.
الظاهر إطلاق المصيبة