تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٢٧٦
فلما رآني أحسب الشخص أشخصا بعيدا وذا الشخص البعيد أقاربه * تعمد حقي ظالما ولوى يدي * لوى يده الله الذي هو غالبه * * (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) *: أي بلاء ومحنة، لأنهم يوقعون في الإثم والعقوبة، ولا بلاء أعظم منهما. وفي باب العداوة جاء بمن التي تقتضي التبعيض، وفي الفتنة حكم بها على الأموال والأولاد على بعضها، وذلك لغلبة الفتنة بهما، وكفى بالمال فتنة قصة ثعلبة بن حاطب، أحد من نزل فيه، ومنهم من عاهد الله: * (لئن ءاتانا من فضله) * الآيات. وقد شاهدنا من ذكر أنه يشغله الكسب والتجارة في أمواله حتى يصلي كثيرا من الصلوات الخمس فائتة. وقد شاهدنا من كان موصوفا عند الناس بالديانة والورع، فحين لاح له منصب وتولاه، استناب من يلوذ به من أولاده وأقاربه، وإن كان بعض من استنابه صغير السن قليل العلم سيىء الطريقة، ونعوذ بالله من الفتن. وقدمت الأموال على الأولاد لأنها أعظم فتنة، * (كلا إن الإنسان ليطغى * أن رءاه استغنى) *، شغلتنا أموالنا وأهلونا. * (والله عنده أجر عظيم) *: تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة. والأجر العظيم: الجنة.
* (فاتقوا الله ما استطعتم) *، قال أبو العالية: جهدكم. وقال مجاهد: هو أن يطاع فلا يعصى، * (واسمعوا) * ما توعظون به، * (وأطيعوا) * فيما أمرتم به ونهيتم عنه، * (وأنفقوا) * فيما وجب عليكم. و * (خيرا) * منصوب بفعل محذوف تقديره: وأتوا خيرا، أو على إضمار يكن فيكون خبرا، أو على أنه نعت لمصدر محذوف، أي إنفاقا خيرا، أو على أنه حال، أو على أنه مفعول بوأنفقوا خيرا، أي مالا، أقوال، الأول عن سيبويه.
ولما أمر بالإنفاق، أكده بقوله: * (إن تقرضوا الله قرضا حسنا) *، ورتب عليه تضعيف القرض وغفران الذنوب. وفي لفظ القرض تلطف في الاستدعاء، وفي لفظ المضاعفة تأكيد للبذل لوجه الله تعالى. ثم اتبع جوابي الشرط بوصفين: أحدهما عائد إلى المضاعفة، إذ شكره تعالى مقابل للمضاعفة، وحلمه مقابل للغفران. قيل: وهذا الحض هو في الزكاة المفروضة، وقيل، هو في المندوب إليه. وتقدم الخلاف في القراءة في * (يوق) * وفي * (شح) * وفي * (يضاعفه) *.
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»