تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١٥٠
السوائب وغير ذلك من سيرهم. وقيل: المعنى فهم يعلمون متى يموت محمد صلى الله عليه وسلم) الذي يتربصون به، ويكتبون بمعنى: يحكمون. وقال ابن عباس: يعني أم عندهم اللوح المحفوظ، فهم يكتبون ما فيه ويخبرون. * (أم يريدون كيدا) *: أي بك وبشرعك، وهو كيدهم به في دار الندوة، * (فالذين كفروا) *: أي فهم، وأبرز الظاهر تنبيها على العلة، أو الذين كفروا عام فيندرجون فيه، * (هم المكيدون) *: أي الذين يعود عليهم وبال كيدهم، ويحيق بهم مكرهم، وذلك أنهم قتلوا يوم بدر، وسمى غلبتهم كيدا، إذ كانت عقوبة الكيد. * (أم لهم إلاه غير الله) * يعصمهم ويدفع عنهم في صدور إهلاكهم، ثم نزه تعالى نفسه، * (عما يشركون) * به من الأصنام والأوثان.
* (وإن يروا كسفا من السماء) *: كانت قريش قد اقترحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فيما اقترحت من قولهم: أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا، فأخبر تعالى أنهم لو رأوا ذلك عيانا، حسب اقتراحهم، لبلغ بهم عتوهم وجهلهم أن يغالطوا أنفسهم فيما عاينوه، وقالوا: هو سحاب مركوم، تراكم بعضه على بعض ممطرنا، وليس بكسف ساقط للعذاب. * (فذرهم) *: أمر موادعة منسوخ بآية السيف. وقرأ الجمهور: * (حتى يلاقوا) *؛ وأبو حيوة: حتى يلقوا، مضارع لقي، * (يومهم) *: أي يوم موتهم واحدا واحدا، والصعق: العذاب، أو يوم بدر، لأنهم عذبوا فيه، أو يوم القيامة، أقوال، ثالثها قول الجمهور، لأن صعقته تعم جميع الخلائق. وقرأ الجمهور: يصعقون، بفتح الياء. وقرأ عاصم وابن عامر وزيد بن علي وأهل مكة: في قول شبل بن عبادة، وفتحها أهل مكة، كالجمهور في قول إسماعيل. وقرأ السلمي: بضم الياء وكسر العين، من أصعق رباعيا.
* (وإن للذين ظلموا) *: أي لهؤلاء الظلمة، * (عذابا دون ذلك) *: أي دون يوم القيامة وقبله، وهو يوم بدر والفتح، قاله ابن عباس وغيره. وقال البراء بن عازب وابن عباس أيضا: هو عذاب القبر. وقال الحسن وابن زيد: مصائبهم في الدنيا. وقال مجاهد: هو الجوع والقحط، سبع سنين. * (فإنك بأعيننا) *: عبارة عن الحفظ والكلاءة، وجمع لأنه أضيف إلى ضمير الجماعة، وحين كان الضمير مفردا، أفرد العين، قال تعالى: * (ولتصنع على عينى) *. وقرأ أبو السمال: بأعيننا، بنون واحدة مشددة. * (وسبح بحمد ربك) *، قال أبو الأحوص عوف بن مالك: هو التسبيح المعروف، وهو قول سبحان الله عند كل قيام. وقال عطاء: حين تقوم من كل مجلس، وهو قول ابن جبير ومجاهد. وقال ابن عباس: حين تقوم من منامك. وقيل: هو صلاة التطوع. وقيل: الفريضة. وقال الضحاك: حين تقوم إلى الصلاة تقول: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك. وقال زيد بن أسلم: حين تقوم من القائلة والتسبيح، إذ ذاك هو صلاة الظهر. وقال ابن السائب: اذكر الله بلسانك حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل في الصلاة. * (ومن اليل فسبحه) *: قبل صلاة المغرب والعشاء. * (وإدبار النجوم) *: صلاة الصبح. وعن عمرو وعلي وأبي هريرة والحسن: إنها النوافل، * (وإدبار النجوم) *: ركعتا الفجر. وقرأ سالم بن أبي الجعد والمنهال بن عمرو ويعقوب: وأدبار، بفتح الهمزة، بمعنى: وأعقاب النجوم.
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»