تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١٤٧
المحسن في المسئ. ولفظة * (ألحقنا) * تقتضي أن للملحق بعض التقصير في الأعمال. وقرأ أبو عمرو: وأتبعناهم؛ وباقي السبعة: واتبعتهم؛ وأبو عمرو: وذرياتهم جمعا نصبا؛ وابن عامر: جمعا رفعا؛ وباقي السبعة: مفردا؛ وابن جبير: وأتبعناهم ذريتهم، بالمد والهمز.
وقرأ الجمهور: * (ألتناهم) *، بفتح اللام، من ألات؛ والحسن وابن كثير: بكسرها؛ وابن هرمز: آلتناهم، بالمد من آلت، على وزن أفعل؛ وابن مسعود وأبي: لتناهم من لات، وهي قراءة طلحة والأعمش؛ ورويت عن شبل وابن كثير، وعن طلحة والأعمش أيضا: لتناهم بفتح اللام. قال سهل: لا يجوز فتح اللام من غير ألف بحال، وأنكر أيضا آلتناهم بالمد، وقال: لا يروى عن أحد، ولا يدل عليها تفسير ولا عربية، وليس كما ذكر، بل قد نقل أهل اللغة آلت بالمد، كما قرأ ابن هرمز. وقرئ: وما ولتناهم، ذكره ابن هارون. قال ابن خالويه: فيكون هنا الحرف من لات يليت، وولت يلت، وألت يألت، وألات يليت، ويؤلت، وكلها بمعنى نقص. ويقال: ألت بمعنى غلظ. وقام رجل إلى عمر رضي الله عنه فوعظه، فقال رجل: لا تألت أمير المؤمنين، أي لا تغلظ عليه. والظاهر أن الضمير في ألتناهم عائد على المؤمنين. والمعنى: أنه تعالى يلحق المقصر بالمحسن، ولا ينقص المحسن من أجر شيئا، وهذا تأويل ابن عباس وابن جبير والجمهور. وقال أبي زيد: الضمير عائد على الأبناء. * (من عملهم) *: أي الحسن والقبيح، ويحسن هذا الاحتمال قوله: * (كل امرىء بما كسب رهين) *: أي مرتهن وفيه، * (وأمددناهم) *: أي يسرنا لهم شيئا فشيئا حتى يكر ولا ينقطع. * (يتنازعون فيها) * أي يتعاطون، قال الأخطل:
* نازعته طيب الراح الشمول وقد * صاح الدجاج وحانت وقعة الساري * أو يتنازعون: يتجاذبون تجاذب ملاعبة، إذ أهل الدنيا لهم في ذلك لذة، وكذلك في الجنة. وقرأ الجمهور: * (لا لغو فيها ولا تأثيم) *، برفعهما؛ وابن كثير، وأبو عمرو: بفتحهما، واللغو: السقط من الكلام، كما يجري بين شراب الخمر في الدنيا. والتأثيم: الإثم الذي يلحق شارب الخمر في الدنيا. * (غلمان لهم) *: أي مماليك. * (مكنون) *: أي في الصدف، لم تنله الأيدي، قاله ابن جبير، وهو إذ ذاك رطب، فهو أحسن وأصفى. ويجوز أن يراد بمكنون: مخزون، لأنه لا يخزن إلا الغالي الثمن. والظاهر أن التساؤل هو في الجنة، إذ هذه كلها معاطيف بعضها على بعض، أي يتساءلون عن أحوالهم وما نال كل واحد منهم؛ ويدل عليه * (فمن الله علينا) *: أي بهذا النعيم الذي نحن فيه. وقال ابن عباس: تساؤلهم إذا بعثوا في النفخة الثانية، حكاه الطبري عنه. * (مشفقين) *: رقيقي القلوب، خاشعين لله. وقرأ أبو حيوة: ووقانا بتشديد القاف، والسموم هنا النار؛ وقال الحسن: اسم من أسماء جهنم. * (من قبل) *: أي من قبل لقاء الله والمصير إليه. * (ندعوه) * نعبده ونسأله الوقاية من عذابه، * (إنه هو البر) *: المحسن، * (الرجيم) *: الكثير الرحمة، إذا عبد أثاب، وإذا سئل أجاب. أو * (ندعوه) * من الدعاء. وقرأ الحسن وأبو جعفر ونافع والكسائي: أنه بفتح الهمزة، أي لأنه، وباقي السبعة: إنه بكسر الهمزة، وهي قراءة الأعرج وجماعة، وفيها معنى التعليل.
قوله عز وجل: * (فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون * أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون * قل تربصوا فإنى معكم من المتربصين * أم تأمرهم أحلامهم بهاذا أم هم قوم طاغون * أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون * فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين * أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون * أم خلقوا * السماوات والارض * بل لا يوقنون * أم عندهم خزائن
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»