تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١٤٤
مسامت الكعبة يقال له الضراح، والضريح أيضا، وهو الذي ذكر في حديث الإسراء، قال جبريل: هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم. وقال مجاهد وقتادة وابن زيد: في كل سماء بيت معمور، وفي كل أرض كذلك. وسأل ابن الكوا عليا، رضي الله تعالى عنه فقال: بيت فوق سبع سماوات تحت العرش يقال له الضراح. وقال الحسن: البيت المعمور: الكعبة، يعمره الله كل سنة بستمائة ألف، فإن عجز من الناس أتمه الله بالملائكة. * (والسقف المرفوع) *: السماء، قال ابن عباس: هو العرش، وهو سقف الجنة.
* (والبحر المسجور) *، قال مجاهد وشمر بن عطية والضحاك ومحمد بن كعب والأخف 5: هو البحر الموقد نارا. وروي أن البحر هو جهنم. وقال قتادة: البحر المسجور: المملوء، وهذا معروف من اللغة، ورجحه الطبري بوجود ماء البحر كذلك، ولا ينافي ما قاله مجاهد، لأن سجرت التنور معناه: ملأته بما يحترق. وقال ابن عباس: المسجور: الذي ذهب ماؤه. وروى ذو الرمة الشاعر، عن ابن عباس قال: خرجت أمة لتستقي، فقالت: إن الحوض مسجور: أي فارغ، وليس لذي الرمة حديث إلا هذا، فيكون من الأضداد. ويروى أن البحار يذهب ماؤها يوم القيامة. وقال ابن عباس أيضا: المسجور: المحبوس، ومنه ساجور الكلب: وهي القلادة من عود أو حديد تمسكه، ولولا أن البحر يمسك، لفاض على الأرض. وقال الربيع: المسجور: المختلط العذب بالملح. وقيل: المفجور، ويدل عليه: * (وإذا البحار فجرت) *. والجمهور: على أن البحر المقسم به هو بحر الدنيا، ويؤيده: * (وإذا البحار سجرت) *. وعن علي وابن عمر: أنه في السماء تحت العرش فيه ماء غليظ يقال له بحر الحياة، يمطر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحا، فينبتون في قبورهم. وقال قتيبة بن سعيد: هو جهنم، وسماها بحرا لسعتها وتموجها. كما جاء في الفرس: وإن وجدناه لبحرا. قيل: ويحتمل أن تكون الجملة في القسم بالطور والبحر والبيت، لكونها أماكن خلوة مع الله تعالى، خاطب منها ربهم رسله.
فالطور، قال فيه موسى: * (أرنى أنظر إليك) *، والبيت المعمور لمحمد صلى الله عليه وسلم)، والبحر المسجور ليونس، قال: * (لا إلاه إلا أنت سبحانك) *، فشرفت هذه الأماكن بهذه الأسباب. والقسم بكتاب مسطور، لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان لهم مع الله في هذه الأماكن كلام. واقترانه بالطور دل على ذلك. والقسم بالسقف المرفوع لبيان رفعة البيت المعمور. انتهى. ونكر وكتاب، لأنه شامل لكل كتاب أنزله الله شمول البدل، ويحتمل أن يكون شمول العموم، كقوله: * (علمت نفس ما أحضرت) *. وكونه في رق، يدل على ثبوته، وأنه لا يتخطى الرؤوس. ووصفه بمنشور يدل على وضوحه، فليس كالكتاب المطوي الذي لا يعلم ما انطوى عليه، والمنشور يعلم ما فيه، ولا يمنع من مطالعة ما تضمنه؛ والواو الأولى واو القسم، وما بعدها للعطف. والجملة المقسم عليها هي قوله: * (إن عذاب ربك لواقع) *. وفي إضافة العذاب لقوله: * (ربك) * لطيفة، إذ هو المالك والناظر في مصلحة العبد
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»