تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١٥٨
فاستنارت. وعن ابن عباس: غشيها رب العزة، أي أمره، كما جاء في صحيح مسلم مرفوعا، فلما غشيها من أمر الله ما غشي، ونظير هذا الإبهام للتعظيم: * (فأوحى إلى عبده ما أوحى) *، * (والمؤتفكة أهوى * فغشاها ما غشى) *.
* (ما زاغ البصر) *، قال ابن عباس: ما مال هكذا ولا هكذا. وقال الزمخشري: أي أثبت ما رآه إثباتا مستيقنا صحيحا من غير أن يزيغ بصره أو يتجاوزه، إذ ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها ومكن منها، * (وما طغى) *: وما جاوز ما أمر برؤيته. انتهى. وقال غيره: * (وما طغى) *: ولا تجاوز المرئي إلى غيره، بل وقع عليه وقوعا صحيحا، وهذا تحقيق للأمر، ونفي للريب عنه. * (لقد رأى من ءايات ربه الكبرى) *، قيل: الكبرى مفعول رأى، أي رأى الآيات الكبرى والعظمى التي هي بعض آيات ربه، أي حين رقي إلى السماء رأى عجائب الملكوت، وتلك بعض آيات الله. وقيل: * (من آيات) * هو في موضع المفعول، والكبرى صفة لآياته ربه، ومثل هذا الجمع يوصف بوصف الواحدة، وحسن ذلك هنا كونها فاصلة، كما في قوله: * (لنريك من ءاياتنا الكبرى) *، عند من جعلها صفة لآياتنا. وقال ابن عباس وابن مسعود: أي رفرف أخضر قد سد الأفق. وقال ابن زيد: رأي جبريل في الصورة التي هو بها في السماء.
* (أفرءيتم) *: خطاب لقريش. ولما قرر الرسالة أولا، وأتبعه من ذكر عظمة الله وقدرته الباهرة بذكر التوحيد والمنع عن الإشراك بالله تعالى، وقفهم على حقارة معبوداتهم، وهي الأوثان، وأنها ليست لها قدرة. واللات: صنم كانت العرب تعظمه. قال قتادة: كان بالطائف. وقال أبو عبيدة وغيره: كان في الكعبة. وقال ابن زيد: كان بنخلة عند سوق عكاظ. قال ابن عطية: وقول قتادة أرجح، ويؤيده قوله الشاعر:
* وفرت ثقيف إلى لاتها * بمنقلب الخائب الخاسر * انتهى.
ويمكن الجمع بأن تكون أصناما سميت باسم اللات فأخبر كل عن صنم بمكانه. والتاء في اللات قيل أصلية، لام الكلمة كالباء من باب، وألفه منقلبة فيما يظهر من ياء، لأن مادة ليت موجودة. فإن وجدت مادة من ل و ت، جاز أن تكون منقلبة من واو. وقيل: التاء للتأنيث، ووزنها فعلة من لوى، قيل: لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة، أو يلتوون عليها: أي يطوفون، حذفت لامها. وقرأ الجمهور: اللات خفيفة التاء؛ وابن عباس ومجاهد ومنصور بن المعتمر وأبو صالح وطلحة وأبو الجوزاء ويعقوب وابن كثير في رواية: بشدها. قال ابن عباس: كان هذا رجلا بسوق عكاظ، يلت السمن والسويق عند صخرة. وقيل: كان ذلك الرجل من بهز، يلت السويق للحجاج على حجر، فلما مات، عبدوا الحجر الذي كان عنده، إجلالا لذلك الرجل، وسموه باسمه. وقيل: سمي برجل كان يلت عنده السمن بالدب ويطمعه الحجاج. وعن مجاهد: كان رجل يلت السويق بالطائف، وكانوا يعكفون على قبره، فجعلوه وثنا. وفي التحرير: أنه كان صنما تعظمه العرب. وقيل: حجر ذلك اللات، وسموه باسمه. وعن ابن جبير: صخرة بيضاء كانت العرب تعبدها وتعظمها. وعن مجاهد: شجيرات تعبد ببلادها، انتقل أمرها إلى الصخرة. انتهى ملخصا. وتلخص في اللات، أهو صنم، أو حجر يلت عليه، أو صخرة يلت عندها، أو قبر اللات، أو شجيرات ثم صخرة، أو اللات نفسه، أقوال، والعزى صنم. وقيل: سموه لغطفان، وأصلها تأنيث الأعز، بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم) خالد بن الوليد فقطعها، وخرجت منها شيطانة، ناشرة شعرها، داعية ويلها، واضعة يدها على رأسها؛ فجعل يضر بها بالسيف حتى قتلها، وهو يقول:
* يا عز كفرانك لا سبحانك * إني رأيت الله قد أهانك *
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»