تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٤٩٦
الغيث من المنافع والخصب، والظاهر أن رحمته نشرها أعم مما في الغيث. وقال السدي: رحمته: الغيث، وعدد النعمة بعينها بلفظين. وقيل: الرحمة هنا ظهور الشمس، لأن إذا دام المطر سئم، فتجيء الشمس بعده عظمية الموقع، ذكره المهدوي. * (وهو الولى) *: الذي يتولى عباده، * (الحميد) *: المحمود على ما أسدى من نعمائه وما بث. الظاهر أنه مجرور عطفا على السماوات والأرض. ويجوز أن يكون مرفوعا، عطفا على خلق، على حذف مضاف، أي وخلق ما بث. وفيهما يجوز أن يكون مما نسب فيه دابة إلى المجموع المذكور، وإن كان ملتبسا ببعضه. كما يقال: بنو فلان صنعوا كذا، وإنما صنعه واحد منهم، ومنه يخرج منهما، وإنما يخرج من الملح، أو يكون من الملائكة. بعض يشمي مع الطيران، فيوصف بالدبيب كما يوصف به الأناسي، أو يكون قد خلق السماوات حيوانا يمشي مع مشي الإناس على الأرض، أو يريد الحيوان الذي يكون في السحاب. وقد يقع أحيانا، كالضفادع والسحاب داخل في اسم السماء.
وقال مجاهد: * (وما بث فيهما من دابة) *: هم الناس والملائكة. وقال أبو علي: هو على حذف مضاف، أي وما بث في أحدهما. وقرأ الجمهور: فيهما بالفاء، وكذا هي في معظم المصاحف. واحتمل ما أن تكون شرطية، وهو الأظهر، وأن تكون موصولة، والفاء تدخل في خبر الموصول إذا أجري مجرى الشرط بشرائط ذكرت في النحو، وهي موجودة. وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو جعفر في رواية، وشيبة: بما بغير فاء، فما موصولة، ولا يجوز أن تكون شرطية؛ وحذفت الفاء لأن ذلك مما يخصه سيبويه بالشعر، وأجازت ذلك الأخفش وبعض نحاة بغداد وذلك على إرادة الفاء. وترتب ما أصاب من المصائب على كسب الأيدي موجود مع الفاء ودونها هنا، والمصيبة: الرزايا والمصائب في الدنيا، وهي مجازاة على ذنوب المرء وتمحيص لخطاياه، وأنه تعالى يعفو عن كثير، ولا يجازي عليه بمصيبة. وفي الحديث: (لا يصيب ابن آدم خدش عود أو عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو عنه أكثر). وسئل عمران بن حصين عن مرضه فقال؛ إن أحبه إلي أحبه إلى الله، وهذا مما كسبت يداي. ورؤي على كف شريح قرحة، فقيل: بم هذا؟ فقال: بما كسبت يداي.
وقال الزمخشري: الآية مخصوصة بالمجرمين، ولا يمتنع أن يستوفي الله عقاب المجرم ويعفو عن بعض. فأما من لا جرم له، كالأنبياء والأطفال والمجانين، فهو كما إذا أصابهم شيء من ألم أو غيره، فللعوض الموفي والمصلحة وعن علي: هذه أرجى آية للمؤمنين. وقال الحسن: * (من مصيبة) *: أي حد من حدود الله، وتلك مصائب تنزل بشخص الإنسان ونفسه، فإنما هي بكسب أيدي كم. * (* ويعفو) * الله * (ويعفوا عن كثير) *، فيستره على العباد حتى لا يحد عليه. * (وما أنتم بمعجزين) *: أنتم في قبضة القدرة. وقيل: ليست المصائب من الأسقام والقحط والغرق وغير ذلك بعقوبات على الذنوب لقوله: * (اليوم * تجزى * كل نفس بما كسبت) *، ولاشتراك الصالح والطالح فيهما، بل أكثر ما يبتلي به الصالحون المتقون. وفي الحديث: (خص بالبلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل). ولأن الدنيا دار التكليف، فلو حصل الجزاء فيها لكانت دار الجزاء، وليس الأمر كذلك. وهذا القول يؤخره نصوص القرآن، كقوله تعالى: * (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) * الآية.
* (ومن ءاياته الجوار فى البحر كالاعلام * إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على * رواكد على ظهره إن فى ذلك لايات لكل صبار شكور * أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير * ويعلم الذين يجادلون فىءاياتنا ما لهم من * محيص * فما أوتيتم من شىء فمتاع الحيواة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون * والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون * والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلواة
(٤٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 491 492 493 494 495 496 497 498 499 500 501 ... » »»