تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٤٩٥
وقيل: لختم على قلبك بالصدق واليقين، وقد فعل ذلك. وذكر القشيري أن المعنى: يختم على قلوب الكفار وعلى ألسنتهم ويعاجلهم بالعذاب. انتهى، فيكون التفاتا من الغيبة إلى الخطاب، ومن الجمع إلى الإفراد، أي يختم على قلبك أيها القائل أنه افترى على الله كذبا. * (ويمح الله الباطل) *: استئناف إخبار، أي يمحوه. إما في الدنيا وإما في الآخرة حيث نازله. وكتب ويمح بغير واو، كما كتبوا سندع بغير واو، اعتبارا بعدم ظهورها، لأنه لا يوقف عليها وقف اختيار. ولما سقطت من اللفظ سقطت من الخط. وقال الزمخشري: ويجوز أن تكون عدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، بأنه يمحو الباطل الذي هم عليه من البهت والتكذيب، ويثبت الحق الذي أنت عليه بالقرآن وبقضائه الذي لا مرد له من نصرتك عليهم. إن الله عليم بما في صدرك وصدورهم، فيجري الأمر على حسب ذلك. انتهى. قيل: ويحق الإسلام بكلماته، أي بما أنزل من القرآن.
وتقدم الكلام في شرائط التوبة، يقال: قبلت منه الشيء بمعنى: أخذته منه، لقوله: * (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم) *، أي تؤخذ، أي جعلته مبدأ قبولي ومنشأه، وقبلته عنه: عزلته عنه وأبنته، فمعنى * (عن عباده) *: أي يزيل الرجوع عن المعاصي. * (ويعفوا عن السيئات) *، قال الزمخشري: عن السيئات إذا تيب عنها، وعن الصغائر إذا اجتنبت الكبائر. انتهى، وهو على طريقة الاعتزال. إن الكبائر لا يعفى عنها إلا بالتوبة، * (ويعلم ما تفعلون) *، فيثيت ويعاقب. وقرأ الجمهور: ما يفعلون بياء الغيبة؛ وعبد الله، وعلقمة، والإخوان، وحفص: بتاء الخطاب. والظاهر أن الذين فاعل، * (ويستجيب) *: أي ويجيب، * (الذين كفروا) * لربهم، كما قال: * (معرضون يأيها الذين ءامنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) *، فيكون يستجيب بمعنى يجيب، أو يبقى على بابه من الطلب، أي يستدعي الذين آمنوا الإجابة من ربهم بالأعمال الصالحة. وقال سعيد بن جبير: هذا في فعلهم إذا دعاهم. وعن إبراهيم بن أدهم أنه قيل: ما بالنا ندعو فلا نجاب؟ قال: لأنه دعاكم فلم تجيبوه، ثم قرأ: * (والله يدعوا إلى * دار السلام) *.
* (ويستجيب الذين ءامنوا) *، قال الزجاج: الذين مفعول، واستجاب وأجاب بمعنى واحد، فالمعنى: ويجيب الله الذين آمنوا، أي للذين، كما قال:
فلم يستجبه عند ذاك مجيب أي: لم يجبه. وروي هذا المعنى عن معاذ ابن جبل وابن عباس. * (ويزيدهم من فضله) *: أي على الثواب تفضلا. وفي الحديث: (قبول الشفاعات في المؤمنين والرضوان). وقال خباب بن الأرت: نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها، فنزلت: * (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا فى الارض) *. وقال عمرو بن حريث: طلب قوم من أهل الصفة من الرسول عليه السلام أن يغنيهم الله ويبسط لهم الأموال والأرزاق، فنزلت. أعلم أن الرزق لو جاء على اقتراح البشر، لكان سبب بغيهم وإفسادهم، ولكنه تعالى أعلم بالمصلحة. فرب إنسان لا يصلح ولا يكتفي شره إلا بالفقر، وآخر بالغنى. وفي هذا المعنى والتقسيم حديث رواه أنس وقال: (اللهم إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى، فلا تفقرني). ولبغوا، إما من البذخ والكبر، أي لتكبروا في الأرض، ففعلوا ما يتبع الكبر مع الغنى. ألا ترى إلى حال قارون؟ وفي الحديث: (أخوف ما يخاف على أمتي زهرة الدنيا)، وقال الشاعر:
* وقد جعلوا الوسمي ينبت بيننا * وبين بني رومان نبعا وشوحطا * يعني: أنهم أحبوا، فجذبوا أنفسهم بالبغي والفتن. * (ولاكن ينزل بقدر ما يشاء) *، يقال: قدر بالسكون وبالفتح، أي: يقدر لهم ما هو أصلح لهم. وقرأ الجمهور: * (قنطوا) *، بفتح النون؛ والأعمش، وابن وثاب: بكسرها، * (وينشر رحمته) *: يظهرها من آثار
(٤٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 500 ... » »»