تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٨٩
كلام الرؤساء المتبوعين. * (قالوا) * أي الفوج: * (لا مرحبا بكم) *، رد على الرؤساء ما دعوا به عليهم. ثم ذكروا أن ما وقعوا فيه من العذاب وصلى النار، إنما هو بما ألقيتم إلينا وزينتموه من الكفر، فكأنكم قدمتم لنا العذاب أو الصلى. وإذا كان * (لا مرحبا بهم) * من كلام الخزنة، فلم يجيء التركيب: قالوا: بل هؤلاء لا مرحبا بهم، بل جاء بخطاب الأتباع للرؤساء، لتكون المواجهة لمن كانوا لا يقدرون على مواجهتهم في الدنيا بقبيح أشفى لصدورهم، حيث تسببوا في كفرهم، وأنكى للرؤساء. * (فبئس القرار) *: أي النار؛ وهذه المرادة والدعاء كقوله: * (كلما دخلت أمة لعنت أختها) *. ولم يكتف الأتباع برد الدعاء على رؤسائهم، ولا بمواجهتهم بقوله: * (أنتم قدمتموه لنا) *، حتى سألوا من الله أن يزيد رؤساءهم ضعفا من النار، والمعنى: من جملنا على عمل السوء حتى صار جزاءنا النار، * (فزده عذابا ضعفا) *، كما جاء في قول الأتباع: * (ربنا ءاتهم) *، أي بمعاداتهم، * (ضعفين من العذاب) *، * (ربنا هؤلاء * أضلوا * قال ادخلوا فى أمم قد) *.
ولما كان الرؤساء ضلالا في أنفسهم وأضلوا اتباعهم، ناسب أن يدعو عليهم بأن يزيدهم ضعفا، كما جاء: فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، فعلى هذا الضمير في قوله: * (قالوا) * للاتباع، ومن قدم: هم الرؤساء. وقال ابن السائب: * (قالوا ربنا) * إلى آخره، قول جميع أهل النار. وقال الضحاك: * (من قدم) *، هو إبليس وقابيل. وقال ابن مسعود: الضعف حيات وعقارب. * (وقالوا) *: أي أشراف الكفار، * (ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار) *: أي الأرذال الذين لا خير فيهم، وليسوا على ديننا، كما قال: * (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا) *. وروي أن القائلين من كفار عصر الرسول / صلى الله عليه وسلم)، هم: أبو جهل، وأمية بن خلف، وأصحاب القليب، والذين لم يروهم: عمار، وصهيب، وسلمان، ومن جرى مجراهم، قاله مجاهد وغيره. قيل: يسألون أين عمار؟ أين صهيب؟ أين فلان؟ يعدون ضعفاء المسلمين فيقال لهم: أولئك في الفردوس. وقرأ النحويان، وحمزة: أين صهيب؟ أين فلان؟ يعدون ضعفاء المسلمين فيقال لهم: أولئك في الفردوس. وقرأ النحويان، وحمزة: اتخذناهم وصلا، فقال أبو حاتم، والزمخشري، وابن عطية: صفة لرجال. قال الزمخشري: مثل قوله: * (كنا نعدهم من الاشرار) *. وقال ابن الأنباري: حال، أي وقد اتخذناهم. وقرأ أبو جعفر، والأعرج، والحسن، وقتادة، وباقي السبعة: بهمزة الاستفهام، لتقرير أنفسهم على هذا، على جهة التوبيخ لها. والأسف، أي اتخذناهم سخريا، ولم يكونوا كذلك. وقرأ عبد الله، وأصحابه، ومجاهد، والضحاك، وأبو جعفر، وشيبة، والأعرج، ونافع، وحمزة، والكسائي: سخريا، بضم السين، ومعناها: من السخرة والاستخدام. وقرأ الحسن، وأبو رجاء، وعيسى، وابن محيصن، وباقي السبعة: بكسر السين، ومعناها: المشهور من السخر، وهو الهزء. قال الشاعر:
* إني أتاني لسان لا أسر بها * من علو لا كذب فيها ولا سخر * وقيل: بكسر السين من التسخير. وأم إن كان اتخذناهم استفهاما إما مصرحا بهمزته كقراءة من قرأ كذلك، أو مؤولا بالاستفهام، وحذفت الهمزة للدلالة. فالظاهر أنها متصلة لتقدم الهمزة، والمعنى: أي الفعلين فعلنا بهم، الاستسخار منهم أم ازدراؤهم وتحقيرهم؟ وإن أبصارنا كانت تعلوا عنهم وتقتحم. ويكون استفهاما على معنى الإنكار على أنفسهم، للاستسخار والزيغ جميعا. وقال الحسن: كل ذلك قد فعلوا، اتخذوهم سخريا، وزاغت عنهم أبصارهم محقرة لهم. وأن اتخذناهم ليس استفهاما، فأم منقطعة، ويجوز أن تكون منقطعة أيضا مع تقدم الاستفهام، يكون كقولك: أزيد عندك أم عندك عمرو؟ واستفهمت عن زيد، ثم أضربت عن ذلك واستفهمت عن عمرو، فالتقدير: بل أزاغت عنهم الأبصار. ويجوز
(٣٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 394 ... » »»