تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٨٣
2 (* (واذكر عبدنآ أيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب * اركض برجلك هاذا مغتسل بارد وشراب * ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لا ولى الا لباب * وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب * واذكر عبادنآ إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولى الا يدى والا بصار * إنآ أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار * وإنهم عندنا لمن المصطفين الا خيار * واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الا خيار * هاذا ذكر وإن للمتقين لحسن مأاب * جنات عدن مفتحة لهم الا بواب * متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب * وعندهم قاصرات الطرف أتراب * هاذا ما توعدون ليوم الحساب * إن هاذا لرزقنا ما له من نفاد * هاذا وإن للطاغين لشر مأاب * جهنم يصلونها فبئس المهاد * هاذا فليذوقوه حميم وغساق * وءاخر من شكله أزواج * هاذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالو النار * قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار * قالوا ربنا من قدم لنا هاذا فزده عذابا ضعفا فى النار * وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الا شرار * أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار * إن ذلك لحق تخاصم أهل النار * قل إنمآ أنا منذر وما من إلاه إلا الله الواحد القهار * رب السماوات والا رض وما بينهما العزيز الغفار * قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون * ما كان لى من علم بالملإ الا على إذ يختصمون * إن يوحى إلى إلا أنمآ أنا نذير مبين * إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين * قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى أستكبرت أم كنت من العالين * قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتىإلى يوم الدين * قال رب فأنظرنىإلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال فالحق والحق أقول * لاملان جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين * قل مآ أسألكم عليه من أجر ومآ أنآ من المتكلفين * إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين) *)) 2 الضغث: حزمة صغيرة من حشيش أو ريحان أو قضبان، وقيل: القبضة الكبيرة من القضبان، ومنه قولهم: ضغث على إبالة، والإبالة: الحزمة من الحطب، والضغث: القبضة عليها من الحطب أيضا، ومنه قول الشاعر:
* وأسفل مني نهدة قد ربطتها * وألقيت ضغثا من خلى متطيب * الحنث: فعل ما حلف على تركه، وترك ما حلف على فعله، الغساق: ما سال، يقال: غسقت العين والجرح. وعن أبي عبيدة: أنه البارد المنتن، بلغة الترك؛ وقال الأزهري: الغاسق: البارد، ولهذا قيل: ليل غاسق، لأنه أبرد من النهار. الاقتحام: ركوب الشدة والدخول فيها، والقحمة: الشدة.
* (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب * اركض برجلك هاذا مغتسل بارد وشراب * ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لاولى الالباب * وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب * واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولى الايدى والابصار * إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار * وإنهم عندنا لمن المصطفين الاخيار * واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الاخيار) *.
لما أمر نبيه بالصبر، وذكر ابتلاء داود وسليمان، وأثنى عليهما، ذكر من كان أشد ابتلاء منهما، وأنه كان في غاية الصبر، بحيث أثنى الله عليه بذلك. وأيوب: عطف بيان أو بدل. قال الزمخشري: وإذ بدل اشتمال منه. وقرأ الجمهور: * (إنى) * بفتح الهمزة، وعيسى: بكسرها، وجاء بضمير التكلم حكاية لكلامه الذي ناداه بسببه، ولو لم يحك لقال: إنه مسه، لأنه غائب، وأسند المس إلى الشيطان. قال الزمخشري: لما كانت وسوسته إليه وطاعته له فيما وسوس سببا فيما مسه الله به من النصب والعذاب، نسبه إليه وقد راعى الأدب في ذلك حيث لم ينسبه إلى الله في دعائه، مع أنه فاعله، ولا يقدر عليه إلا هو. وقيل: أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه من تعظيم ما نزل به البلاء، فالتجأ إلى الله في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء، أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل. وذكر في سبب بلائه أن رجلا استغاثه على ظالم، فلم يغثه. وقيل: كانت مواشيه في ناحية ملك كافر، فداهنه ولم يفده. وقيل: أعجب بكثرة ماله. انتهى.
ولا يناسب مناصب الأنبياء ما ذكره الزمخشري من
(٣٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 ... » »»