تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٠٤
الأحبار في كلام آخره ما تمكنت اليهودية في قلب وكادت أن تفارقه. وقالت طائفة: اتصافه بالحلم والغفران في هذه الآية إنما هو إشارة إلى أن السماء كادت تزول، والأرض كذلك، لإشراك الكفرة، فيمسكها حكما منه عن المشركين وتبرصا ليغفر لمن آمن منهم، كما قال في آخر آية أخرى: * (تكاد * السماوات * يتفطرن منه) *. وقال الزمخشري: * (حليما غفورا) *، غير معاجل بالعقوبة، حيث يمسكها، وكانتا جديرتين بأن تهدهد العظم كلمة الشرك، كما قال * (تكاد * السماوات * يتفطرن منه) *.
* (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الامم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا (سقط: الآية كاملة)) *.
الضمير في * (وأقسموا) * لقريش. ولما بين إنكارهم للتوحيد، بين تكذيبهم للرسل. قيل: وكانوا يعلنون اليهود والنصارى حيث كذبوا رسلهم، وقالوا: * (لئن ءاتانا * رسول * ليكونن أهدى) * من إحدى الأمم. فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم)، كذبوه. * (لئن جاءهم) *: حكاية لمعنى كلامهم لا للفظهم، إذ لو كان اللفظ، لكان التركيب لئن جاءنا نذير من إحدى الأمم، أي من واحدة مهتدية من الأمم، أو من الأمة التي يقال فيها إحدى الأمم تفضيلا لها على غيرها، كما قالوا: هو أحد الأحدين، وهو أحد الأحد، يريدون التفضيل في الدهاء والعقل بحيث لا نظير له، وقال الشاعر:
* حتى استشاروا في أحد الأحد * شاهد يرادا سلاح معد * * (فلما جاءهم نذير) *، وهو محمد صلى الله عليه وسلم)، قاله ابن عباس، وهو الظاهر. وقال مقاتل: هو انشقاق القمر. * (ما زادهم) *: أي ما زادهم هو أو مجيئه. * (إلا نفورا) *: بعدا من الحق وهربا منه. وإسناد الزيادة إليه مجاز، لأنه هو السبب في أن زادوا أنفسهم نفورا، كقوله: * (فزادتهم رجسا إلى رجسهم) *، وصاروا أضل مما كانوا. وجواب لما: * (ما زادهم) *، وفيه دليل واضح على حرفية لما لا ظرفيتها، إذ لو كانت ظرفا، لم يجز أن يتقدم على عاملها المنفي بما، وقد ذكرنا ذلك في قوله: * (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم) *، وفي قوله: * (ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغنى عنهم) *.
(٣٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 ... » »»