تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٧٩
الزمخشري. * (إنه سميع قريب) *، يدرك قول كل ضال ومهتد وفعله.
والظاهر أن قوله: * (ولو ترى إذ فزعوا) *، أنه وقت البعث وقيام الساعة، وكثيرا جاء: * (ولو ترى إذ وقفوا على النار) *، * (لو * ترى إذ المجرمون ناكسوا * رؤوسهم * عند ربهم) *، وكل ذلك في يوم القيامة؛ وعبر بفزعوا، وأخذوا، وقالوا؛ وحيل بلفظ الماضي لتحقق وقوعه بالخبر الصادق. وقال ابن عباس، والضحاك: هذا في عذاب الدنيا. وقال الحسن: في الكفار عند خروجهم من القبور. وقال مجاهد: يوم القيامة. وقال ابن زيد، والسدي: في أهل بدر حين ضربت أعناقهم، فلم يستطيعوا فرارا من العذاب، ولا رجوعا إلى التوبة. وقال ابن جبير، وابن أبي أبزي: في جيش لغز والكعبة، فيخسف بهم في بيداء من الأرض، ولا ينجو إلا رجل من جهينة، فيخبر الناس بما ناله، قالوا، وله قيل:
وعند جهينة الخبر اليقين وروى في هذا المعنى حديث مطول عن حذيفة. وذكر الطبري أنه ضعيف السند، مكذوب فيه على رواية ابن الجراح. وقال الزمخشري، وعن ابن عباس: نزلت في خسف البيداء، وذلك أن ثمانين ألفا يغزون الكعبة ليخربوها، فإذا دخلوا البيداء خسف بهم. وذكر في حديث حذيفة أنه تكون فتنة بين أهل المشرق والمغرب، فبينما هم كذلك، إذ خرج السفياني من الوادي اليابس في فوره، ذلك حين ينزل دمشق، فيبعث جيشا إلى المدينة فينتهبونها ثلاثة أيام، ثم يخرجون إلى مكة فيأتيهم جبريل، عليه السلام، فيضربها، أي الأرض، برجله ضربة، فيخسف الله بهم في بيداء من الأرض، ولا ينجو إلا رجل من جهينة، فيخبر الناس بما ناله، فذلك قوله: * (فلا فوت) *، ولا يتفلت منهم إلا رجلان من جهينة، ولذلك جرى المثل: (وعند جهينة الخبر اليقين)، اسم أحدهما بشير، يبشر أهل مكة، والآخر نذير، ينقلب بخبر السفياني. وقيل: لا ينقلب إلا رجل واحد يسمى ناجية من جهينة، ينقلب وجهه إلى قفاه. ومفعول ترى محذوف، أي ولو ترى الكفار إذ فزعوا فلا فوت، أي لا يفوتون الله، ولا يهرب لهم عنما يريد بهم. وقال الحسن: فلا فوت من صيحة النشور، وأخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها. انتهى. أو من الموقف إلى النار إذا بعثوا، أو من ظهر الأرض إلى بطنها إذا ماتوا، أو من صحراء بدر إلى القليب، أو من تحت أقدامهم إذا خسف بهم، وهذه أقوال مبنية على تلك الأقوال السابقة في عود الضمير في فزعوا. ووصف المكان بالقرب من حيث قدرة الله عليهم، فحيث ما كانوا هو قريب.
وقرأ الجمهور: * (فلا فوت) *، مبني على الفتح، * (وأخذوا) *: فعلا ماضيا، والظاهر عطفه على * (فزعوا) *، وقيل: على * (فلا فوت) *، لأن معناه فلا يفوتوا وأخذوا. وقرأ عبد الرحمن مولى بني هاشم عن أبيه، وطلحة؛ فلا فوت، وأخذ مصدرين منونين. وقرأ أبي: فلا فوت مبنيا، وأخذ مصدرا منونا، ومن رفع وأخذ فخبر مبتدأ، أي وحالهما أخذ أو مبتدأ، أي وهناك أخذ. وقال الزمخشري: وقرئ: وأخذ، وهو معطوف على محل فلا فوت، ومعناه: فلا فوت هناك، وهناك أخذ. انتهى. كأنه يقول: لا فوت مجموع لا، والمبني معها في موضع مبتدأ، وخبره هناك، فكذلك وأخذ مبتدأ، وخبره هناك، فهو من عطف الجمل، وإن كانت إحداهما تضمنت النفي والأخرى تضمنت الإيجاب. والضمير في به عائد على الله، قاله مجاهد، أي يقولون ذلك عندما يرون العذاب. وقال الحسن: على البعث. وقال مقاتل: على القرآن. وقيل: على العذاب. وقال الزمخشري وغيره: على الرسول، لمرور ذكره في قوله: * (ما بصاحبكم من جنة) *. * (وأنى لهم التناوش) *، قال ابن عباس: التناوش: الرجوع إلى الدنيا، وأنشد ابن الأنباري:
* تمنى أن تؤوب إلي مي * وليس إلى تناوشها سبيل * أي: تتمنى، وهذا تمثيل لطلبهم ما لا يكون، وهو أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت، كما ينفع المؤمنين إيمانهم في
(٢٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 ... » »»