وقال ابن قتيبة: يأمر بعضهم بعضا بقوله، من قوله تعالى: * (وأتمروا بينكم بمعروف) *. * (فاخرج إنى لك من الناصحين) *. ولك: متعلق إما بمحذوف، أي ناصح لك من الناصحين، أو بمحذوف على جهة البيان، أي لك أعني، أو بالناصحين، وإن كان في صلة أل، لأنه يتسامح في الظرف والمجرور ما لا يتسامح في غيرهما. وهي ثلاثة أقوال للنحويين فيما أشبه هذا، فامتثل موسى ما أمره به ذلك الرجل، وعلم صدقه ونصحه، وخرج وقد أفلت طالبيه فلم يجدوه. وكان موسى لا يعرف ذلك الطريق، ولم يصحب أحدا، فسلك مجهلا، واثقا بالله تعالى، داعيا راغبا إلى ربه في تنجيته من الظالمين.
* (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى أن يهدينى سواء السبيل * ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا) *.
* (توجه) *: رد وجهه. و * (تلقاء) *: تقدم الكلام عليه في يونس، أي ناحية وجهه. استعمل المصدر استعمال الظرف، وكان هناك ثلاث طرق، فأخذ موسى أوسطها، وأخذ طالبوه في الآخرين وقالوا: المريب لا يأخذ في أعظم الطرق ولا يسلك إلا بنياتها. فبقي في الطريق ثماني ليال وهو حاف، لا يطعم إلا ورق الشجر. والظاهر من قوله: * (عسى ربى أن يهدينى سواء السبيل) *، أنه كان لا يعرف الطريق، فسأل ربه أن يهديه أقصد الطريق بحيث أنه لا يضل، إذ لو سلك ما لا يوصله إلى المقصود لتاه. وعن ابن عباس: قصد مدين وأخذ يمشي من غير معرفة، فأوصله الله إلى مدين. وقيل: هداه جبريل إلى مدين. وقيل: ملك غيره. وقيل: أخذ طريقا يأمن فيه، فاتفق ذهابه إلى مدين. والظاهر أن سواء السبيل: وسط الطريق