بينهما، فبمقدار ما يزداد أحدهما ينقص الآخر، فكما أن المهتدي يقتدي بالهادي والدليل ويلازمه فكذلك الأظلال ملازمة للأضواء، ولذلك جعل الشمس دليلا عليه انتهى. ملخصا وهو مأخوذ من كلام الزمخشري، ومحسن بعض تحسين. والآية في غاية الظهور ولا تحتاج إلى هذا التكثير.
وقال أيضا: * (الظل) * ليس عدما محضا بل هو أضواء مخلوطة بظلام، فهو أمر وجودي وفي تحقيقه دقيق يرجع فيه إلى الكتب العقلية انتهى. والآية في غاية الوضوح ولا تحتاج إلى هذا التكثير وقد تركت أشياء من كلام المفسرين مما لا تمس إليه الحاجة. * (جعل اليل * لباسا) * تشبيها بالثوب الذي يغطي البدن ويستره من حيث الليل يستر الأشياء. والسبات: ضرب من الإغماء يعتري اليقظان مرضا فشبه النوم به، والسبت الإقامة في المكان فكان السبات سكونا تاما والنشور هنا الإحياء شبه اليقظة به ليتطابق الإحياء مع الإماتة اللذين يتضمنهما النوم والسبات انتهى. ومن كلام ابن عطية وقال غيره: السبات الراحة جعل * (نومكم سباتا) * أي سبب راحة.
وقال الزمخشري: السبات الموت وهو كقوله * (وهو الذى يتوفاكم باليل) * فإن قلت: هلا فسرته بالراحة؟ قلت: النشور في مقابلته يأباه انتهى. ولا يأباه إلا لو تعين تفسير خبر مبتدأ محذوف، و * (الرحمان) * صفة له. أو يكون * (الذى) * منصوبا على إضمار أعني ويجوز على مذهب الأخفش أن يكون * (الرحمان) * مبتدأ. و * (فاسأل) * خبره تخريجه على حد قول الشاعر:
* وكم لظلام الليل عندي من يد * تخبر أن المانوية تكذب * والنوم واليقظة وشبههما بالموت والحياة أي عبرة فيهما لمن اعتبر. وعن لقمان أنه قال لابنه: يا بني كما تنام فتوقظ فكذلك تموت فتنشر.
وتقدم الخلاف في قراءة الريح بالإفراد والجمع في البقرة. قال ابن عطية: وقراءة الجمع أوجه لأن عرف الريح متى وردت في القرآن مفردة فإنما هي للعذاب، ومتى كانت للمطر والرحمة فإنما هي رياح لأن ريح المطر تتشعب وتتداءب وتتفرق وتأتي لينة ومن ههنا وههنا وشيئا اثر شيء، وريح العذاب خرجت لاتتداءب وإنما تأتي جسدا واحدا. ألا ترى أنها تحطم ما تجد وتهدمه. قال الرماني: جمعت رياح الرحمة لأنها ثلاثة لواقح: الجنوب، والصبا، والشمال. وأفردت ريح العذاب لأنها واحدة لا تلقح وهي الدبور. قال أي ابن عطية: يرد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم): إذا هبت الريح: (اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا) انتهى. ولا يسوغ أن يقال: هذه القراءة أوجه لأنه كلا من القراءتين متواتر والألف واللام في الريح للجنس فتعم، وما ذكر من أن قول الرماني يرده الحديث فلا يظهر لأنه يجوز أن يريد بقوله عليه السلام: (رياحا). الثلاثة اللواقح وبقوله (ولا تجعلها ريحا) الدبور. فيكون ما قاله الرماني مطابقا للحديث على هذا المفهوم.
وتقدم الخلاف في قراءة * (نشرا) * وفي مدلوله في الأعراف * (بين يدى رحمته) * استعارة حسنة أي قدام المطر لأنه يجيء معلما به. والطهور فعول إما للمبالغة كنؤوم فهو معدول عن طاهر، وإما أن يكون اسما لما يتطهر به كالسحور والفطور، وإما مصدر لتطهر جاء على غير المصدر حكاه سيبويه. والظاهر في قوله * (ماء طهورا) * أن يكون للمبالغة في طهارته وجهة المبالغة كونه لم يشبه شيء بخلاف ما نبع من الأرض ونحوه فإنه تشوبه أجزاء أرضية من مقره أو ممره أو مما يطرح فيه، ويجوز أن يوصف بالاسم وبالمصدر. وقال ثعلب: هو ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره، فإن كان ما قاله شرحا لمبالغته في الطهارة كان سديدا ويعضده * (وينزل عليكم من السماء ليطهركم به