تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣٨٦
جهلهم بكونهم يقرون بأنه تعالى له الأرض ومن فيها ملك وأنه رب العالم العلوي وأنه مالك كل شيء وهم مع ذلك ينسبون له الولد ويتخذون له شركاء.
وقرأ عبد الله والحسن والجحدري ونصر بن عاصم وابن وثاب وأبو الأشهب وأبو عمرو من السبعة * (سيقولون * الله) * الثاني والثالث بلفظ الجلالة مرفوعا وكذا هو في مصاحف أهل الحرمين والكوفة والشام. وقرأ باقي السبعة * (لله) * فيها بلام الجر فالقراءة الأولى فيها المطابقة لفظا ومعنى، والثانية جاءت على المعنى لأن قولك: من رب هذا؟ ولمن هذا؟ في معنى واحد، ولم يختلف في الأول أنه باللام. وقرأ ابن محيصن * (العظيم) * برفع الميم نعتا للرب، وتقول أجرت فلانا على فلان إذا منعته منه أي وهو يمنع من يشاء ممن يشاء ولا يمنع أحد منه أحدا. ولا تعارض بين قوله * (إن كنتم تعلمون) * لا ينفي عنهم وبين ما حكي عنهم من قولهم. * (سيقولون * الله) * لأن قوله * (إن كنتم تعلمون) * لا ينفي علمهم بذلك، وقد يقال مثل ذلك في الاحتجاج على وجه التأكيد لعلمهم، وختم كل سؤال بما يناسبه فختم ملك الأرض ومن فيها حقيق أن لا يشرك به بعض خلقه ممن في الأرض ملكا له الربوبية وختم ما بعدها بالتقوى وهي أبلغ من التذكر وفيها وعيد شديد أي أفلا تخافونه فلا تشركوا به. وختم ما بعد هذه بقوله * (فإني * تسحرون) * مبالغة في التوبيخ بعد إقرارهم والتزامهم ما يقع عليهم به في الاحتجاج وأني بمعنى كيف قرر أنهم مسحورون وسألهم عن الهيئة التي سحروا بها أي كيف تخدعون عن توحيده وطاعته، والسحر هنا مستعار وهو تشبيه لما يقع منهم من التخليط ووضع الأفعال والأقوال غير مواضعها بما يقع من المسحور عبر عنهم بذلك.
وقرئ بل آتيتهم بتاء المتكلم، وابن أبي إسحاق بتاء الخطاب * (وإنهم لكاذبون) * فيما ينسبون إلى الله تعالى من اتخاذ الولد ومن الشركاء وغير ذلك مما هم فيه كاذبون. ثم نفى اتخاذ الولد وهو نفي استحالة ونفي الشريك بقوله * (وما كان معه من إله) * أي وما كان معه شريك في خلق العالم واختراعهم ولا في غير ذلك مما يليق به من الصفات العلى، فنفي الولد تنبيه على من قال: الملائكة بنات الله، ونفي الشريك في الألوهية تنبيه على من قال: الأصنام آلهة، ويحتمل أن يراد به إبطال قول النصارى والثنوية و * (من ولد) * و * (من إله) * نفي عام يفيد استغراق الجنس، ولهذا جاء * (إذا لذهب كل إلاه) * ولم يأت التركيب إذا لذهب الإله. ومعنى * (لذهب) * أي لا نفرد * (كل إلاه) * بخلقه الذي خلق واستبد به وتميز ملك كل واحد عن ملك الآخر وغلب بعضهم بعضا كحال ملوك الدنيا، وإذا لم يقع الانفراد والتغالب فاعلموا أنه إله واحد وإذا لم يتقدمه في اللفظ شرط ولا سؤال سائل ولا عدة قالوا: فالشرط محذوف تقديره، ولو كان معه آلهة وإنما حذف لدلالة قوله * (وما كان معه من إله) * عليه وهذا قول الفراء: زعم أنه إذا جاء بعدها اللام كانت لو وما دخلت عليه محذوفة وقد قررنا تخريجا لها على غير هذا في قوله * (وإذا لآتخذوك خليلا) * في سورة الإسراء: والظاهر أن ما في * (بما خلق) * بمعنى الذي وجوز أن تكون مصدرية.
* (سبحان الله عما يصفون) * تنزيه عن الولد والشريك. وقرئ عما تصفون بتاء الخطاب. وقرأ الإبنان وأبو عمرو وحفص * (عالم) * بالجر. قال الزمخشري: صفة لله. وقال ابن عطية: اتباع للمكتوبة. وقرأ باقي السبعة وابن أبي عبلة وأبو حيوة وأبو بحرية بالرفع. قال الأخفش: الجر أجود ليكون الكلام من وجه واحد. قال أبو علي الرفع أن الكلام قد انقطع، يعني أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو * (عالم) *. وقال ابن عطية: والرفع عندي أبرع. والفاء في قوله * (فتعالى) * عاطفة فالمعنى كأنه قال * (عالم الغيب والشهادة فتعالى) * كما تقول زيد شجاع فعظمت منزلته أي شجع فعظمت، ويحتمل أن يكون المعنى فأقول تعالى * (عما يشركون) * على إخبار مؤتنف. و * (الغيب) * ما غاب عن الناس و * (الشهادة) * ما شاهدوه انتهى.
* (قل رب إما ترينى ما يوعدون * رب فلا تجعلنى فى القوم الظالمين * وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون * ادفع بالتى هى أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون * وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون * حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلى أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون * فإذا نفخ فى الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم
(٣٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 ... » »»