تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣٨٥
سخريا حتى أنسوكم ذكرى وكنتم منهم تضحكون * إنى جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفآئزون * قال كم لبثتم فى الا رض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العآدين * قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون * أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إلاه إلا هو رب العرش الكريم * ومن يدع مع الله إلها ءاخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون * وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين) *)) ) * الهمز: النخس والدفع بيد وغيرها، ومنه مهماز الرائض وهمز الناس باللسان. البرزخ: الحاجز بين المسافتين. وقيل: الحجاب بين الشيئين يمنع أحدهما أن يصلى إلى الآخر. النسب: القرابة من جهة الولادة. اللفح: إصابة النار الشيء بوهجها وإحراقها. وقال الزجاج: اللفح أشد من اللقيح تأثيرا. الكلوح: تشمر الشفتين عن الأسنان ومنه كلوح كلوح الكلب والأسد. وقيل: الكلوح بسور الوجه وهو تقطيبه، وكلح الرجل كلوحا وكلاحا ودهر كالح وبرد كالح شديد. العبث: اللعب الخالي عن فائدة.
* (وهو الذى أنشأ لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون * وهو الذى * الذى ذرأكم فى الارض وإليه تحشرون * وهو الذى يحى ويميت وله اختلاف اليل والنهار أفلا تعقلون * بل قالوا مثل ما قال الاولون * قالوا أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون * لقد وعدنا نحن وءاباؤنا هاذا من قبل إن هاذا إلا أساطير الاولين * قل لمن الارض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكرون * قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون * قل من بيده ملكوت كل شىء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل فأنى تسحرون * بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون * ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إلاه بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون * عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون) *.
مناسبة * (وهو الذى أنشأ لكم) * لما قبله أنه لما بين إعراض الكفار عن سماع الأدلة ورؤية العبر والتأمل في الحقائق خاطب قيل المؤمنين، والظاهر العالم بأسرهم تنبيها على أن من لم يعمل هذه الأعضاء في ما خلقه الله تعالى وتدبر ما أودعه فيها من الدلائل على وحدانيته وباهر قدرته فهو كعادم هذه الأعضاء، وممن قال تعالى فيهم * (فما * أغنى * عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شىء) * فمن أنشأ هذه الحواس وأنشئت هي له وأحيا وأمات وتصرف في اختلاف الليل والنهار هو قادر على البعث. وخص هذه الأعضاء بالذكر لأنه يتعلق بها منافع الدين والدنيا من أعمال السمع والبصر في آيات الله والاستدلال بفكر القلب على وحدانية الله وصفاته، ولما كان خلقها من أتم النعم على العبد قال * (قليلا ما تشكرون) * أي تشكرون قليلا و * (ما) * زائدة للتأكيد. ومن شكر النعمة الإقرار بالمنعم بها ونفي الند والشريك.
و * (ذرأكم) * خلقكم وبثكم فيها. * (وإليه) * أي وإلى حكمه وقضائه وجزائه * (تحشرون) * يريد البعث والجمع في الآخرة بعد التفرق في الدنيا والاضمحلال. * (وله اختلاف اليل والنهار) * أي. هو مختص به ومتوليه وله القدرة التي ذلك الاختلاف عنها. والاختلاف هنا التعاقب أي يخلف هذا هذا. * (أفلا تعقلون) * من هذه تصرفات قدرته وآثار قهره فتوحدونه وتنفون عنه الشركاء والأنداد، إذ هم ليسوا بقادرين على شيء من ذلك. وقرأ أبو عمرو في رواية: يعقلون بياء الغيبة على الالتفات.
* (بل قالوا) * * (بل) * إضراب أي ليس لهم عقل ولا نظر في هذه الآيات * (بل قالوا) * والضمير لأهل مكة ومن جرى مجراهم في إنكار البعث مثل ما قال آباؤهم عاد وثمود ومن يرجعون إليهم من الكفار. ولما اتخذوا من دون الله تعالى آلهة ونسبوا إليه الولد نبههم على فرط
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 ... » »»