اسمين متمكنين مرتفعين بالابتداء وما بعدهما خبرهما من حروف الجر بمعنى البعد * (لما توعدون) * والتكرار للتأكيد، ويجوز أن يكونا اسمين للفعل والضم للبناء مثل حوب في زجر الإبل لكنه نون لكونه نكرة انتهى. وقرأ ابن أبي عبلة * (هيهات هيهات) * ما * (توعدون) * بغير لام وتكون ما فاعلة بهيهات. وهي قراءة واضحة.
وقالوا * (إن هى) * هذا الضمير يفسره سياق الكلام لأنهم قبل أنكروا المعاد فقالوا * (أيعدكم أنكم) * الآية فاستفهموا استفهام استبعاد وتوقيف واستهزاء، فتضمن أن لا حياة إلا حياتهم. وقال الزمخشري: هذا ضمير لا يعلم ما يعني به إلا بما يتلوه من بيانه، وأصله أن الحياة * (إلا حياتنا) * الدنيا ثم وضع * (هى) * موضع الحياة لأن الخبر يدل عليها ويبنيها، ومنه هي النفس تتحمل ما حملت وهي العرب تقول: ما شاءت، والمعنى: لا حياة إلا هذه الحياة الدنيا لأن * (ءان) * الثانية دخلت على * (هى) * التي هي في معنى الحياة الدالة على الجنس فنفتها فوازنت لا التي نفت ما بعدها نفي الجنس.
* (نموت ونحيا) * أي يموت بعض ويولد بعض ينقرض قرن ويأتي قرن انتهى، ثم أكدوا ما حصروه من أن لا حياة إلا حياتهم وحرموا بانتفاء بعثهم من قبورهم للجزاء وهذا هو كفر الدهرية، ثم نسبوه إلى افتراء الكذب على الله في أنه نبأه وأرسله إلينا وأخبره أنا نبعث * (وما نحن له بمؤمنين) * أي بمصدقين، ولما أيس من إيمانهم ورأى إصرارهم على الكفر دعا عليهم وطلب عقوبتهم على تكذيبهم * (قال عما قليل) * أي عن زمن قليل، وما توكيد للقلة وقليل صفة لزمن محذوف وفي معناه قريب. قيل: أي بعد الموت تصيرون نادمين. وقيل * (عما قليل) * أي وقت نزول العذاب في الدنيا ظهور علاماته والندامة على ترك قبول ما جاءهم به رسولهم حيث لا ينفع الرجوع، واللام في * (ليصبحن) * لام القسم و * (عما قليل) * متعلق بما بعد اللام إما بيصبحن وإما بنادمين، وجاز ذلك لأنه جار ومجرور ويتسامح في المجرورات والظروف ما لا يتسامح في غيرها، ألا ترى أنه لو كان مفعولا به لم يجز تقديمه لو قلت: لأضربن زيدا لم يجز زيدا لأضربن، وهذا الذي قررناه من أن * (عما قليل) * يتعلق بما بعد لام القسم هو قول بعض أصحابنا وجمهورهم على أن لام القسم لا يتقدم شيء من معمولات ما بعدها عليها سواء كان ظرفا أو مجرورا أو غيرهما، فعلى قول هو لا يكون * (عما قليل) * يتعلق بمحذوف يدل عليه ما قبله تقديره * (عما قليل) * تنصر لأن قبله قال * (رب انصرنى) *. وذهب الفراء وأبو عبيدة إلى جواز تقديم معمول ما بعد هذه اللام عليها مطلقا. وفي اللوامح عن بعضهم لتصبحن بتاء على المخاطبة، فلو ذهب ذاهب إلى أن يصير القول من الرسول إلى الكفار بعدما أجيب دعاؤه لكان جائزا والله أعلم انتهى.
* (فأخذتهم الصيحة) * قال الزمخشري: صيحة جبريل عليه السلام صاح عليهم فدمرهم * (بالحق) * بالوجوب لأنهم قد استوجبوا الهلاك أو بالعدل من الله من قولك: فلان يقضي بالحق إذا كان عادلا في قضاياه شبههم بالغثاء في دمارهم وهو حميل السيل مما يلي واسود من الورق والعيدان انتهى. وعن ابن عباس * (الصيحة) * الرجفة. وقيل: هي نفس العذاب والموت. وقيل: العذاب المصطلم. قال الشاعر:
* صاح الزمان بآل زيد صيحة * خروا لشنتها على الأذقان * وقال المفضل: * (بالحق) * بما لا مدفع له كقوله: وجاءت سكرة الموت بالحق. وانتصب بعدا بفعل متروك إظهاره أي بعدوا بعدا. أي هلكوا، يقال بعد بعدا وبعدا نحو رشد رشدا ورشدا. وقال الحوفي * (للقوم) * متعلق بعدا. وقال الزمخشري: و * (للقوم الظالمين) * بيان لمن دعى عليه بالبعد نحو * (هيت لك) * و * (لما توعدون) * انتهى فلا تتعلق ببعدا بل بمحذوف.
* (ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ثم أرسلنا رسلنا تترى كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا القوم لا يؤمنون ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين فقالوا أنؤمن لبشر مثلنا وقومهما لنا