تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣٧٤
تقديره * (إنكم) * تبعثون * (إذا مت م) * وهذا الخبر المحذوف هو العامل في * (إذا) * وذهب الفراء والجرمي والمبرد إلى أن * (إنكم) * الثانية كررت للتأكيد لما طال الكلام حسن التكرار، وعلى هذا يكون * (مخرجون) * خبر * (إنكم) * الأولى، والعامل في * (إذا) * هو هذا الخبر، وكان المبرد يأبى البدل لكونه من غير مستقبل إذ لم يذكر خبر أن الأولى. وذهب الأخفش إلى أن * (أنكم مخرجون) * مقدر بمصدر مرفوع بفعل محذوف تقديره: يحدث إخراجكم فعلى هذا التقدير يجوز أن تكون الجملة الشرطية خبرا لأنكم، ويكون جواب * (إذا) * ذلك الفعل المحذوف، ويجوز أن يكون ذلك الفعل المحذوف هو خبر * (إنكم) * ويكون عاملا في * (إذا) *.
وذكر الزمخشري قول المبرد بادئا به فقال: شيء * (إنكم) * للتوكيد، وحسن ذلك الفصل ما بين الأول والثاني بالظرف و * (مخرجون) * خبر عن الأول وهذا قول المبرد. قال الزمخشري: أو جعل * (أنكم مخرجون) * مبتدأ و * (إذا مت م) * خبرا على معنى إخراجكم إذا متم، ثم أخبر بالجملة عن * (إنكم) * انتهى. وهذا تخريج سهل لا تكلف فيه. قال: أو رفع * (أنكم مخرجون) * بفعل هو جزاء الشراط كأنه قيل * (إذا مت م) * وقع إخراجكم انتهى. وهذا قول الأخفش إلا أنه حتم أن تكون الجملة الشرطية خبرا عن * (إنكم) * ونحن جوزنا في قول الأخفش هذا الوجه، وأن يكون خبر * (إنكم) * ذلك الفعل المحذوف وهو العامل في * (إذا) * وفى قراءة عبد الله * (أيعدكم) * * (إذا مت م) * بإسقاط * (إنكم) * الأولى.
وقرأ الجمهور * (هيهات هيهات) * بفتح التاءين وهي لغة الحجاز. وقرأ هارون عن أبي عمرو بفتحهما منونتين ونسبها ابن عطية لخالد بن إلياس. وقرأ أبو حيوة بضمهما من غير تنوين، وعنه عن الأحمر بالضم والتنوين وافقه أبو السماك في الأول وخالفه في الثاني. وقرأ أبو جعفر وشيبة بكسرهما من غير تنوين، وروي هذا عن عيسى وهي في تميم وأسد وعنه أيضا، وعن خالد بن إلياس بكسرهما والتنوين. وقرأ خارجة بن مصعب عن أبي عمرو والأعرج وعيسى أيضا بإسكانهما، وهذه الكلمة تلاعبت بها العرب تلاعبا كبيرا بالحذف والإبدال والتنوين وغيره، وقد ذكرنا في التكميل لشرح التسهيل ما ينيف على أربعين لغة، فالذي اختاره أنها إذا نونت وكسرت أو كسرت ولم تنون لا تكون جمعا لهيهات، ومذهب سيبويه أنها جمع لهيهات وكان حقها عنده أن تكون * (هيهات) * إلا أن ضعفها لم يقتض إظهار الباء قال سيبويه، هي مثل بيضات يعني في أنها جمع، فظن بعض النحاة أنه أراد في اتفاق المفرد، فقال واحد: هيهات هيهة، وتحرير هذا كله مذكور في علم النحو ولا تستعمل هذه الكلمة غالبا إلا مكررة، وجاءت غير مكررة في قول جرير:
وهيهات خل بالعقيق نواصله وقول رؤبة:
هيهات من متحرق هيهاؤه و * (هيهات) * اسم فعل لا يتعدى برفع الفاعل ظاهرا أو مضمرا، وهنا جاء التركيب * (هيهات هيهات لما توعدون) * لم يظهر الفاعل فوجب ن يعتقد إضمار تقديره هو أي إخراجكم، وجاءت اللام للبيان أي أعني لما توعدون كهي بعد بعد سقيا لك فتتعلق بمحذوف وبنيت المستبعد ما هو بعد اسم الفعل الدال على البعد كما جاءت في * (هيت لك) * لبيان المهيت به. وقال الزجاج: البعد * (لما توعدون) * أو بعد * (لما توعدون) * وينبغي أن يجعل كلامه تفسير معنى لا تفسير إعراب لأنه لم تثبت مصدرية * (هيهات) * وقول الزمخشري: فمن نونه نزله منزلة المصدر ليس بواضح لأنهم قد نونوا أسماء الأفعال، ولا نقول إنها إذا نونت تنزلت منزلة المصدر. وقال ابن عطية: طورا تلي الفاعل دون لام تقول هيهات مجيء زيد أي بعد، وأحيانا يكون الفاعل محذوفا وذلك عند اللام كهذه الآية التقدير بعد الوجود * (لما توعدون) * انتهى. وهذا ليس بجيد لأن فيه حذف الفاعل، وفيه أنه مصدر حذف وأبقى معموله ولا يجيز البصريون شيئا من هذا. وقال ابن عطية أيضا في قراءة من ضم ونون أنه اسم معرب مستقل، وخبره * (لما توعدون) * أي البعد لوعدكم كما تقول: النجح لسعيك. وقال صاحب اللوامح: فأما من قال * (هيهات) * فرفع ونون احتمل أن يكونا
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 ... » »»