تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣٧٩
الأصنام، إذ لكفار قريش أن تقول: نحن نؤمن بآيات ربنا ونصدق بأنه المخترع الخالق. وقيل: ليس المراد منه الإيمان بالتوحيد ونفي الشرك لله لأن ذلك داخل في قوله * (والذين هم بئايات ربهم يؤمنون) * المراد نفي الشرك للحق وهو أن يخلصوا في العبادة لا يقدم عليها إلا لوجه الله وطلب رضوانه. وقرأ الجمهور * (يؤتون ما ءاتوا) * أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات * (وقلوبهم وجلة) * أي خائفة أن لا يقبل منهم لتقصيرهم أنهم أي وجلة لأجل رجوعهم إلى الله أي خائفة لأجل ما يتوقعون من لقاء الجزاء. قال ابن عباس وابن جبير: هو عام في جميع أعمال البر كأنه قال: والذين يفعلون من أنفسهم في طاعة الله ما بلغه جهدهم. وقرأت عائشة وابن عباس وقتادة والأعمش والحسن والنخعي يأتون ما أتوا من الإتيان أي يفعلون ما فعلوا قالت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم): هو الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر، وهو على ذلك يخاف الله قال: (لا يا ابنة الصديق ولكنه هو الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو على ذلك يخاف الله أن لا يقبل). قيل: وجل العارف من طاعته أكثر من مخالفته لأن المخالفة تمحوها التوبة والطاعة تطلب التصحيح. وقال الحسن: المؤمن يجمع إحسانا وشفقة، والمنافق يجمع إساءة وأمنا. وقرأ الأعمش * (أنهم) * بالكسر. وقال أبو عبد الله الرازي ترتيب هذه الصفات في نهاية الحسن لأن الأولى دلت على حصول الخوف الشديد الموجب للاحتراز، والثانية على تحصيل الإيمان بالله، والثالثة على ترك الرياء في الطاعة، والرابعة على أن المستجمع لهذه الصفات الثلاثة يأتي بالطاعات مع خوف من التقصير وهو نهاية مقامات الصديقين انتهى.
* (أولئك يسارعون) * جملة في موضع خبر أن. قال ابن زيد * (الخيرات) * المخافتة والإيمان والكف عن الشرك. قال الزمخشري: * (يسارعون فى الخيرات) * يحتمل معنيين أحدهما أن يراد يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها، والثاني أنهم يتعجلون في الدنيا المنافع، ووجوه الإكرام كما قال * (فاتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة) * * (ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا فى ذريته النبوة والكتاب) * لأنهم إذا سورع بها لهم فقد سارعوا في نيلها وتعجلوها، وهذا الوجه أحسن طباقا للآية المتقدمة لأن فيه إثبات ما نفي عن الكفار للمؤمنين انتهى. وقرأ الحر النحوي: يسرعون مضارع أسرع، يقال أسرعت إلى الشيء وسرعت إليه بمعنى واحد، وأما المسارعة فالمسابقة أي يسارعون غيرهم. قال الزجاج * (يسارعون) * أبلغ من يسرعون انتهى. وجهة المبالغة أن المفاعلة تكون من اثنين فتقتضي حث النفس على السبق لأن من عارضك في شيء تشتهي أن تغلبه فيه.
* (وهم لها سابقون) * الظاهر أن الضمير في * (لها) * عائد على * (الخيرات) * أي سابقون إليها تقول: سبقت لكذا وسبقت إلى كذا، ومفعول * (سابقون) * محذوف أي سابقون الناس، وتكون الجملة تأكيدا للتي قبلها مفيدة تجدد الفعل بقوله * (يسارعون) * وثبوته بقوله * (سابقون) * وقيل اللام للتعليل أي لأجلها سابقون الناس إلى رضا الله. وقال الزمخشري * (لها سابقون) * أي فاعلون السبق لأجلها، أو سابقون الناس لأجلها انتهى. وهذان القولان عندي واحد. قال أيضا أو إياها سابقون أي ينالوها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا انتهى. ولا يدل لفظ * (لها سابقون) * على هذا التفسير لأن سبق الشيء الشيء يدل على تقدم السابق على المسبوق، فكيف يقال لهم وهم يسبقون الخيرات هذا لا يصح. وقال أيضا: ويجوز أن كون * (لها سابقون) * خبرا بعد خبر ومعنى وهم لها كمعنى قوله أنت لها انتهى. وهذا مروي عن ابن عباس. قال: المعنى سبقت لهم السعادة في الأزل فهم لها، ورجحه الطبري بأن اللام متمكنة في المعنى انتهى. والظاهر القول الأول وباقيها متعسف وتحميل للفظ غير ظاهره. وقيل: الضمير في * (لها) * عائد على لجنة. وقيل: على الأمم.
* (ولا نكلف نفسا إلا وسعها) * تقدم الكلام على نظير هذه الجملة في آخر البقرة * (ولدينا كتاب ينطق بالحق) * أي كتاب فيه إحصاء أعمال الخلق يشير إلى الصحف الت يقرؤون فيها ما ثبت لهم في اللوح المحفوظ. وقيل: القرآن.
* (بل قلوبهم
(٣٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 ... » »»