تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣٥٧
لطيف) * أي باستخراج النبات من الأرض بالماء الذي أنزله * (* خيبر) * بما يحدث عن ذلك النبت من الحب وغيره. وقيل * (تعملون خبير) * بلطيف التدبير * (خبير) * بالصنع الكثير. وقيل: * (خبير) * بمقادير مصالح عباده فيفعل على قدر ذلك من غير زيادة ولا نقصان. وقال ابن عباس * (لطيف) * بأرزاق عباده * (* خيبر) * بما في قلوبهم من القنوط. وقال الكلبي * (الله لطيف) * بأفعاله * (خبير) * بأعمال خلقه. وقال الزمخشري * (لطيف) * وأصل علمه أو فضله إلى كل شيء * (خبير) * بمصالح الخلق ومنافعهم. وقال ابن عطية: واللطيف المحكم للأمور برفق. * (ما فى الارض) * يشمل الحيوان والمعادن والمرافق.
وقرأ الجمهور * (والفلك) * بالنصب وضم اللام ابن مقسم والكسائي عن الحسن، وانتصب عطفا على * (ما) * ونبه عليها وإن كانت مندرجة في عموم ما تنبيها على غرابة تسخيرها وكثرة منافعها، وهذا هو الظاهر. وجوز أن يكون معطوفا على الجلالة بتقدير وأن * (الفلك) * وهو إعراب بعيد عن الفصاحة و * (تجرى) * حال على الإعراب الظاهر. وفي موضع الجر على الإعراب الثاني. وقرأ السلمي والأعرج وطلحة وأبو حيوة والزعفراني بضم الكاف مبتدأ وخبر، ومن أجاز العطف على موضع اسم إن أجازه هنا فيكون * (تجرى) * حالا. والظاهر أن * (ءان) * تقع في موضع نصب بدل اشتمال، أي ويمنع وقوع السماء على الأرض. وقيل هو مفعول من أجله يقدره البصريون كراهة * (أن تقع) * والكوفيون لأن لا تقع. وقوله * (إلا بإذنه) * أي يوم القيامة كأن طي السماء بعض هذه الهيئة لوقوعها، ويجوز أن يكون ذلك وعيدا لهم في أنه إن أذن في سقوطها كسفا عليكم سقطت كما في قولهم: أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا * (وإلا * بإذنه) * متعلق بأن تقع أي * (إلا بإذنه) * فتقع. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يعود قوله * (إلا بإذنه) * على الإمساك لأن الكلام يقتضي بغير عمد ونحوه، فكأنه أراد إلا بإذنه فيها يمسكها انتهى. ولو كان على ما قاله ابن عطية لكان التركيب بإذنه دون أداة الاستثناء أي يكون التقدير ويمسك السماء بإذنه.
* (وهو الذى أحياكم) * أي بعد أن كنتم جمادا ترابا ونطفة وعلقة ومضغة وهي الموتة الأولى المذكورة في قوله تعالى * (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم) * و * (الإنسان) *. قال ابن عباس: هو الكافر. وقال أيضا: هو الأسود بن عبد الأسد وأبو جهل وأبي بن خلف. وهذا على طريق التمثيل. * (لكفور) * لجحود لنعم الله، يعبد غير من أنعم عليه بهذه النعم المذكورة وبغيرها.
و * (لكل أمة جعلنا منسكا) * روي أنها نزلت بسبب جدال الكفار بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان الخزاعيين وغيرهما في الذبائح وقولهم للمؤمنين: تأكلون ما ذبحتم وهو من قتلكم، ولا تأكلون ما قتل الله فنزلت بسبب هذه المنازعة. وقال ابن عطية * (هم ناسكوه) * يعطى أن المنسك المصدر ولو كان الموضع لقال هم ناسكون فيه انتهى. ولا يتعين ما قال إذ قد يتسع في معمول اسم الفاعل كما يتسع في معمول الفعل فهو موضع اتسع فيه فأجرى مجرى المفعول به على السعة، ومن الاتساع في ظرف المكان قوله:
(٣٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 ... » »»