تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣٥٣
مطابقا للمتعاطفين، وهذا عطف بالواو وما جاء غير مطابق أولوه على الحذف فيكون تأويل هذا * (معرضون وما أرسلنا من قبلك من رسول) * * (إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته) * * (ولا نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته) * فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه و * (تمنى) * تفعل من المنية.
قال أبو مسلم: التمني نهاية التقدير، ومنه المنية وفاة الإنسان للوقت الذي قدره الله، ومنى الله لك أي قدر. وقال رواه اللغة: الأمنية القراءة، واحتجوا ببيت حسان وذلك راجع إلى الأصل الذي ذكر فإن التالي مقدر للحروف فذكرها شيئا فشيئا انتهى. وبيت حسان:
* تمنى كتاب الله أول ليلة * وآخره لاقى حمام المقادر * وقال آخر: تمنى كتاب الله أول ليلة تمنى داوود الزبور على رسل وحمل بعض المفسرين قوله * (إذا تمنى) * على تلا و * (فى أمنيته) * على تلاوته. والجملة بعد * (إلا) * في موضع الحال أي * (وما * أرسلناه) * إلا، وحاله هذه. وقيل: الجملة في موضع الصفة وهو قول الزمخشري في نحو: ما مررت بأحد إلا زيد خير منه، والصحيح أن الجملة حالية لا صفة لقبولها واو الحال، واللام في * (ليجعل) * متعلقة بيحكم قاله الحوفي. وقال ابن عطية: بينسخ. وقال غيرهما: ألقى، والظاهر أنها للتعليل. وقيل: هي لام العاقبة و * (ما) * في * (يلقى) * الظاهر أنها بمعنى الذي، وجوز أن تكون مصدرية.
والفتنة: الابتلاء والاختبار. والذين في قلوبهم مرض عامة الكفار. وقال الزمخشري: المنافقون والشاكون * (والقاسية قلوبهم) * خواص من الكفار عتاة كأبي جهل والنضر وعتبة. وقال الزمخشري: المشركون المكذبون * (وإن الظالمين) * يريد وإن هؤلاء المنافقين والمشركين، وأصله وإنهم فوضع الظاهر موضع المضمر، قضاء عليهم بالظلم. والشقاق المشاقة أي في شق غير شق الصلاح، ووصفه بالبعيد مبالغة في انتهائه وأنهم غير مرجو رجعتهم منه.
والضمير في: * (أنه) * قال ابن عطية: عائد على القرآن * (والذين أوتوا العلم) * أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقد تقدم من قولنا في الآية ما يعود الضمير إليه * (فتخبت) * أي تتواضع وتتطامن بخلاف من في قلبه مرض وقسا قلبه. وقرأ الجمهور * (لهاد الذين ءامنوا) * الإضافة، وأبو حيوة وابن أبي عبلة بتنوين * (* الهاد) *.
المرية: الشك. والضمير في * (الكتاب منه) * قيل: عائد على القرآن. وقيل: على الرسول. وقيل: ما ألقى الشيطان، ولما ذكر حال الكافرين أولا ثم حال المؤمنين ثانيا عاد إلى شرح حال الكافرين، والظاهر أن * (الساعة) * يوم القيامة. قيل: واليوم العقيم يوم بدر. وقيل: ساعة موتهم أو قتلهم في الدنيا كيوم بدر، واليوم العقيم يوم القيامة.
وقال الزمخشري: اليوم العقيم يوم بدر، وإنما وصف يوم الحرب بالعقيم لأن أولاد النساء يقتلون فيه فيصرن كأنهن عقم لم يلدن، أو لأن المقاتلين يقال لهم أبناء الحرب فإذا قتلوا وصف يوم الحرب بالعقم على سبيل المجاز.
وقيل: هو الذي لا خير فيه يقال: ريح عقيم إذا لم تنشىء مطرا ولم تلقح شجرا. وقيل: لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه. وعن الضحاك: إنه يوم القيامة وإن المراد بالساعة مقدماته ويجوز أن يراد بالساعة و * (يوم عقيم) * يوم القيامة كأنه قيل * (حتى تأتيهم الساعة) * أو يأتيهم عذابها فوضع * (يوم عقيم) * موضع الضمير انتهى. وقال ابن عطية: وسمى يوم القيامة أو يوم
(٣٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 ... » »»