تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣٥٩
عليهم. وقرأ الجمهور * (النار) * رفعا على إضمار مبتدأ كأن قائلا يقول قال: وما هو؟ قال: النار، أي نار جهنم. وأجاز الزمخشري أن تكون * (النار) * مبتدأ و * (وعدها) * الخبر وأن يكون * (وعدها) * حالا على الإعراب الأول، وأن تكون جملة إخبار مستأنفة وأجيز أن تكون خبرا بعد خبر، وذلك في الإعراب الأول، وروي أنهم قالوا: محمد وأصحابه شر خلق فقال الله قل لهم يا محمد * (أفأنبئكم بشر) * ممن ذكرتم على زعمكم أهل النار فهم أنتم خشر خلق الله. وقرأ ابن أبي عبلة وإبراهيم بن يوسف عن الأعشى وزيد بن علي * (النار) * بالنصب. قال الزمخشري: على الاختصاص ومن أجاز في الرفع أن تكون * (النار) * مبتدأ فقياسه أن يجيز في النصب أن يكون من باب الاشتغال. وقرأ ابن أبي إسحاق وإبراهيم بن نوح عن قتيبة * (النار) * بالجر على البدل من * (شر) * والظاهر أن الضمير في * (وعدها) * هو المفعول الأول على أنه تعالى وعد النار بالكفار أن يطعمها إياهم، ألا ترى إلى قولها هل من مريد، ويجوز أن يكون الضمير هو المفعول الثاني * (والذين كفروا) * هو الأول كما قال * (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم) *.
* (المصير يأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم) *.
لما ذكر تعالى أن الكفار يعبدون ما لا دليل على عبادته لا من سمع ولا من عقل ويتركون عبادة من خلقهم، ذكر ما عليه معبوداتهم من انتفاء القدرة على خلق أقل الأشياء بل على رد ما أخذه ذلك الأقل منه، وفي ذلك تجهيل عظيم لهم حيث عبدوا من هذه صفته لقوله * (إن الذين تدعون) * بتاء الخطاب. وقيل: خطاب للمؤمنين أراد الله أن يبين لهم خطأ الكافرين فيكون * (تدعون) * خطابا لغيرهم الكفار عابدي غير الله. وقيل: الخطاب عام يشمل من نظر في أمر عبادة غير الله، فإنه يظهر له قبح ذلك. و * (ضرب) * مبني للمفعول، والظاهر أن ضارب المثل هو الله تعالى، ضرب مثلا لما يعبد من دونه أي بين شبها لكم ولمعبودكم. وقيل: ضارب المثل هم الكفار، جعلوا مثلا لله تعالى أصنامهم وأوثانهم أي فاسمعوا أنتم أيها الناس لحال هذا المثل ونحوه ما قال الأخفش قال: ليس ههنا * (مثل) * وإنما المعنى جعل الكفار لله مثلا. وقيل: هو * (مثل) * من حيث المعنى لأنه * (ضرب مثل) * من يعبد الأصنام بمن يعبد ما لا يخلق ذبابا.
وقال الزمخشري: فإن قلت: الذي جاء به ليس بمثل فكيف سماه مثلا؟ قلت: قد سميت الصفة أو القصة الرائقة المتلقاة بالاستحسان والاستغراب مثلا تشبيها لها ببعض الأمثال المسيرة لكونها مستحسنة مستغربة عندهم انتهى.
وقرأ الجمهور * (تدعون) * بالتاء. وقرأ الحسن ويعقوب وهارون والخفاف ومحبوب عن أبي عمرو بالياء وكلاهما مبني للفاعل. وقرأ اليماني وموسى الأسواري بالياء من أسفل مبنيا للمفعول. وقال الزمخشري * (لن) * أخت لا في نفي المستقبل إلا أن تنفيه نفيا مؤكدا، وتأكيده هنا الدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل مناف لأحوالهم كأنه قال: محال أن يخلقوا انتهى. وهذا القول الذي قاله في * (لن) * هو المنقول عنه أن * (لن) * للنفي على التأييد، ألا تراه فسر ذلك بالاستحالة وغيره من النحاة يجعل * (لن) * مثل لا في النفي ألا ترى إلى قوله * (أفمن يخلق كمن لا يخلق) * كيف جاء
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»