تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣٤٦
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر جملة مما يفعل في الحج، وكان المشركون قد صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) عام الحديبية وآذوا من كان بمكة من المؤمنين، أنزل الله تعالى هذه الآيات مبشرة المؤمنين بدفعه تعالى عنهم ومشيرة إلى نصرهم وإذنه لهم في القتال وتمكينهم في الأرض يردهم إلى ديارهم وفتح مكة، وأن عاقبة الأمور راجعة إلى الله تعالى وقال تعالى: * (والعاقبة للمتقين) *.
وقرأ الحسن وأبو جعفر ونافع * (يدافع) * ولولا دفاع الله. وقرأ أبو عمرو وابن كثير يدفع * (ولولا دفع) * وقرأ الكوفيون وابن عامر * (يدافع) * * (ولولا دفع) * وفاعل هنا بمعنى المجرد نحو جاوزت وجزت. وقال الأخفش: دفع أكثر من دافع. وحكى الزهراوي أن دفاعا مصدر دفع كحسب حسابا. وقال ابن عطية: يحسن * (يدافع) * لأنه قد عن للمؤمنين من يدفعهم ويؤذيهم فتجيء مقاومته، ودفعه مدافعة عنهم انتهى. يعني فيكون فاعل لاقتسام الفاعلية والمفعولية لفظا والاشتراك فيهما معنى. وقال الزمخشر: ومن قرأ * (يدافع) * فمعناه يبالغ في الدفع عنهم كما يبالغ من يغالب فيه لأن فعل المغالب يجيء أقوى وأبلغ انتهى. ولم يذكر تعالى ما يدفعه عنهم ليكون أفخم وأعظم وأعم ولما هاجر المؤمنون إلى المدينة أذن الله لهم في القتال.
وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو بضم همزة * (أذن) * وفتح باقي السبعة. وقرأ نافع وابن عامر وحفص * (يقاتلون) * بفتح التاء والباقون بكسرها، والمأذون فيه محذوف أي في القتال لدلالة * (يقاتلون) * عليه وعلل للإذن * (بأنهم ظلموا) * كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بين مضروب ومشجوج، فيقول لهم: (اصبروا فإني لم أومر بالقتال) حتى هاجر وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهي عنه في نيف وسبعين آية. وقيل: نزلت في قوم خرجوا مهاجرين فاعترضهم مشركو مكة فأذن لهم في مقاتلتهم.
* (وإن الله على نصرهم لقدير) * وعد بالنصر والإخبار بكونه يدفع عنهم * (الذين أخرجوا) * في موضع جر نعت للذين، أو بدل أو في موضع نصب بأعني أو في موضع رفع على إضمارهم. و * (إلا أن * الناس أن يتركوا أن يقولوا) * في موضع نصب لأنه منقطع لا يمكن توجه العامل عليه، فهو مقدر بلكن من حيث المعنى لأنك لو قلت * (الذين أخرجوا من ديارهم) * * (إلا أن يقولوا ربنا الله) * لم يصح بخلاف ما في الدار أحد إلا حمار، فإن الاستثناء منقطع ويمكن أن يتوجه عليه العامل فتقول: ما في الدار إلا حمار فهذا يجوز فيه النصب والرفع النصب للحجاز والرفع لتميم بخلاف مثل هذا فالعرب مجمعون على نصبه. وأجاز أبو إسحاق فيه الجر على البدل واتبعه الزمخشري فقال * (أن يقولوا) * في محل الجر على الإبدال من * (حق) * أي بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتبشير، ومثله * (هل تنقمون منا إلا أن ءامنا) * انتهى.
وما أجازاه من البدل لا يجوز لأن البدل لا يكون إلا إذا سبقه نفي أو نهي أو استفهام في معنى النفي، نحو: ما قام أحد إلا زيد، ولا يضرب أحد إلا زيد، وهل يضرب أحد إلا زيد، وأما إذا كان الكلام موجبا أو أمرا فلا يجوز البدل: لا يقال قام القوم إلا زيد على البدل، ولا يضرب القوم إلا زيد على البدل، لأن البدل لا يكون إلا حيث يكون العامل يتسلط عليه، ولو قلت قام إلا زيد، وليضرب إلا عمر ولم يجز. ولو قلت في غير القرآن أخرج الناس من ديارهم إلا بأن يقولوا لا إله إلا الله لم يكن كلاما هذا إذا تخيل أن يكون * (إلا أن يقولوا) * في موضع جر بدلا من غير المضاف إلى * (حق) * وإما أن يكون بدلا من حق كما نص عليه الزمخشري فهو في غاية الفساد لأنه يلزم منه أن يكون البدل يلي غيرا فيصير التركيب بغير * (إلا أن يقولوا) * وهذا لا يصح، ولو قدرت * (إلا) * بغير كما يقدر في النفي في ما مررت بأحد إلا زيد فتجعله بدلا لم يصح، لأنه يصير التركيب بغير غير قولهم * (ربنا الله) * فتكون قد أضفت غيرا إلى غير وهي هي فصار بغير غير، ويصح في ما مررت بأحد إلا زيد أن تقول: ما مررت بغير زيد، ثم إن الزمخشري حين مثل البدل قدره بغير موجب سوى التوحيد، وهذا تمثيل للصفة جعل إلا بمعنى سوى، ويصح على الصفة فالتبس عليه باب الصفة بباب البدل، ويجوز أن تقول:
(٣٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 ... » »»