تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣٤٢
* (ليذكروا اسم الله) * معناه أمرناهم عند ذبائحهم بذكر الله، وأن يكون الذبح له لأنه رازق ذلك، ثم خرج إلى الحاضرين فقال * (فإلاهكم إلاه واحد فله أسلموا) * أي انقادوا، وكما أن الإله واحد يجب أن يخلص له في الذبيحة ولا يشرك فيها لغيره، وتقدم شرح الإخبات. وقال عمرو بن أوس: المخبتون الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا. وقرأ الجمهور * (الذين إذا) * بالخفض على الإضافة وحذفت النون لأجلها. وقرأ ابن أبي إسحاق والحسن وأبو عمرو في رواية * (الصلواة) * بالنصب وحذفت النون لأجلها. وقرأ ابن مسعود والأعمش والمقيمين بالنون * (الصلواة) * بالنصب. وقرأ الضحاك: والمقيم الصلاة، وناسب تبشير من اتصف بالإخبات هنا لأن أفعال الحج من نزع الثياب والتجرد من المخيط وكشف الرأس والتردد في تلك المواضع الغبرة المحجرة، والتلبس بأفعال شاقة لا يعلم معناها إلا الله تعالى مؤذن بالاستسلام المحض والتواضع المفرط حيث يخرج الإنسان عن مألوفه إلى أفعال غريبة، ولذلك وصفهم بالإخبات والوجل إذا ذكر الله تعالى والصبر على ما أصابهم من المشاق وإقامة الصلوات في مواضع لا يقيمها إلا المؤمنون المصطفون والإنفاق مما رزقهم ومنها الهدايا التي يغالون فيها.
وقرأ الجمهور * (والبدن) * بإسكان الدال. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وشيبة وعيسى بضمها وهي الأصل، ورويت عن أبي جعفر ونافع. وقرأ ابن أبي إسحاق أيضا بضم الياء والدال وتشديد النون، فاحتمل أن يكون اسما مفردا بني على فعل كعتل، واحتمل أن يكون التشديد من التضعيف الجائز في الوقف، وأجرى الوصل مجرى الوقف، والجمهور على نصب * (والبدن) * على الاشتغال أي وجعلنا * (* البدن) * وقرئ بالرفع على الابتداء و * (الله لكم) * أي لأجلكم و * (من شعائر) * في موضع المفعول الثاني، ومعنى * (من شعائر الله) * من أعلام الشريعة التي شرعها الله وأضافها إلى اسمه تعالى تعظيما لها * (لكم فيها) * قال ابن عباس: نفع في الدنيا، وأجر في الآخرة. وقال السدي أجر. وقال النخعي: من احتاج إلى ظهرها ركب وإلى لبنها شرب * (الله عليها صواف) * أي على نحرها. قال مجاهد: معقولة. وقال ابن عمر، قائمة قد صفت أيديها بالقيود. وقال ابن عيسى: مصطفة وذكر اسم الله أن يقول عند النحر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، اللهم منك وإليك. وقرأ أبو موسى الأشعري والحسن ومجاهد وزيد بن أسلم وشقيق وسليمان التيمي والأعرج: صوافي جمع صافية ونون الياء عمرو بن عبيد.
قال الزمخشري: التنوين عوض من حرف عند الوقف انتهى. والأولى أن يكون على لغة من صرف ما لا ينصرف، ولا سيما الجمع المتناهي، ولذلك قال بعضهم والصرف في الجمع أي كثيرا حتى ادعى قوم به التخيير أي خوالص لوجه الله تعالى لا يشرك فيها بشيء، كما كانت الجاهلية تشرك.
وقرأ الحسن أيضا * (صواف) * مثل عوار وهو على قول من قال فكسرت غار لحمه يريد عاريا وقولهم: اعط القوس باريها. وقرأ عبد الله وابن عمر وابن عباس والباقر وقتادة ومجاهد وعطاء والضحاك والكلبي والأعمش بخلاف عنه صوافن بالنون، والصافنة من البدن ما اعتمدت على طرف رجل بعد تمكنها بثلاث قوائم وأكثر ما يستعمل في الخيل * (فإذا وجبت جنوبها) * عبارة عن سقوطها إلى الأرض بعد نحرها. قال محمد بن كعب ومجاهد وإبراهيم والحسن والكلبي * (القانع) * السائل * (والمعتر) * المعترض من غير سؤال، وعكست فرقة هذا. وحكى الطبري عن ابن عباس * (القانع) * المستغني بما أعطيه * (والمعتر) * المعترض من غير سؤال. وحكى عنه * (القانع) * المتعفف * (والمعتر) * السائل. وعن مجاهد * (القانع) * الجار وإن كان غنيا. وقال قتادة * (القانع) * من القناعة * (والمعتر) * المعترض للسؤال. وقيل * (* المعتر) * الصديق الزائر. وقرأ أبو رجاء: القنع بغير ألف أي * (وأطعموا القانع) * فحذف الألف كالحذر والحاذر. وقرأ الحسن والمعتري اسم فاعل من اعترى. وقرأ عمرو وإسماعيل * (والمعتر) * بكسر الراء دون ياء، هذا نقل ابن خالويه.
وقال أبو الفضل الرازي في
(٣٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 337 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 ... » »»