العذاب بكم في الدنيا، * (وإن يوما) * من أيام عذابكم في الآخرة * (كألف سنة) * من سني الدنيا فكيف تستعجلون العذاب. وقال الزجاج: تفضل تعالى عليهم بالإمهال والمعنى أن اليوم عند الله والألف سواء في قدرته بين ما استعجلوا به وبين تأخره.
وقرأ الأخوان وابن كثير يعدون بياء الغيبة، وباقي السبعة بتاء الخطاب وعطفت * (فكأين) * الأولى بالفاء وهذه الثانية بالواو. وقال الزمخشري: الأولى وقعت بدلا عن قوله * (فكيف كان نكير) * وما هذه فحكمها حكم ما تقدمها من الجملتين المعطوفتين بالواو أعني قوله * (لن * يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة) * وتكرر التكثير بكائن في القرى لإفادة معنى غير ما جاءت له الأولى لأنه ذكر فيها القرى التي أهلكها دون إملاء وتأخير، بل أعقب الإهلاك التذكير وهذه الآية لما كان تعالى قد أمهل قريشا حتى استعجلت بالعذاب جاءت بالإهلاك بعد الإملاء تنبيها على أن قريشا وإن أملى تعالى لهم وأمهلهم فإنه لا بد من عذابهم فلا يفرحوا بتأخير العذاب عنهم.
ثم أمر نبيه أن يقول لأهل مكة * (قل يأيها الناس إنما أنا لكم نذير) * من عذاب الله موضح لكم ما تحذرون أو موضح النذارة لا تلجلج فيها، وذكر النذارة دون البشارة وإن كان التقسيم بعد ذلك يقتضيهما لأن الحديث مسوق للمشركين، و * (يذهبكم أيها الناس) * نداء لهم وهم المقول فيهم * (أفلم يسيروا) * والمخير عنهم باستعجال العذاب وإنما ذكر المؤمنون هنا وما أعد الله لهم من الثواب ليغاظ المشركون بذلك وليحرضهم على نيل هذه الرتبة الجليلة التي فيها فوزهم، وحصر النذارة لأن المعنى ليس لي تعجيل عذابكم ولا تأخيره عنكم وإنما أنا منذركم به.
وقال الكرماني: التقدير بشير و * (نذير) * فحذف والتقسيم داخل في المقول، والسعي الطلب والاجتهاد في ذلك، ويقال: سعى فلان في أمر فلان فيكون بإصلاح وبإفساد وقد يستعمل في الشر، يقال: فيه سعى بفلان سعاية أي تحيل، وكاد في إيصال الشر إليه وسعيهم بالفساد في آيات الله حيث طعنوا فيها قسموها سحرا وشعرا وأساطير الأولين، وثبطوا الناس عن الإيمان بها.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والجحدري وأبو السمال والزعفراني معجزين بالتشديد هنا وفي حرفي سبأ زاد الجحدري في جميع القرآن أي مثبطين. وقرأ باقي السبعة بألف. وقرأ ابن الزبير معجزين بسكون العين وتخفيف الزاي من أعجزني إذا سبقك فقاتك. قال صاحب اللوامح: لكنه هنا بمعنى معاجزين أي ظانين أنهم يعجزوننا، وذلك لظنهم أنهم لا يبعثون. وقيل: في * (معاجزين) * معاندين، وأما معجزين بالتشديد فإنه بمعنى مثبطين الناس عن الإسلام، ويقال: مثبطين.
وقال الزمخشري: عاجزه سابقه لأن كل واحد منهما في طلب إعجاز الآخر عن اللحاق به، فإذا سبقه قيل أعجزه وعجزه، فالمعنى سابقين أو مسابقين في زعمهم وتقديرهم، طامعين أن كيدهم للإسلام يتم لهم انتهى.
وقال أبو علي الفارسي: معجزين معناه ناسبين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) إلى العجز كما تقول: فسقت فلانا إذا نسبته إلى الفسق. وتقدم شرح أخرى هاتين الجملتين الواردتين تقسيما.
* (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى) *.
لما ذكر تعالى أنه يدفع عن الذين آمنوا وأنه تعالى أذن للمؤمنين في القتال وأنهم كانوا أخرجوا من ديارهم وذكر مسلاة رسوله صلى الله عليه وسلم) بتكذيب من تقدم من الأمم لأنبيائهم وما آل إليه أمرهم من الإهلاك إثر التكذيب وبعد الإمهال، وأمره أن ينادي الناس ويخبرهم أنه