انتهى.
والظاهر عود الضمير في قوله * (يذكر فيها) * على المواضع كلها جميعها وقاله الكلبي ومقاتل، فيكون * (يذكر) * صفة للمساجد وإذا حملنا الصلوات على الأفعال التي يصليها أهل الشرائع كان ذلك إما على حذف مضاف أي ومواضع صلوات وإما على تضمين * (لهدمت) * معنى عطلت فصار التعطيل قدرا مشتركا بين المواضع والأفعال، وتأخير المساجد إما لأجل قدم تلك وحدوث هذه، وإما لانتقال من شريف إلى أشرف. وأقسم تعالى على أنه تنصر من ينصر أي ينصر دينه وأولياءه، ونصره تعالى هو أن يظفر أولياءه بأعدائهم جلادا وجدالا وفي ذلك حض على القتال. ثم أخبر تعالى أنه قوي على نصرهم * (عزيز) * لا يغالب.
والظاهر أنه يجوز في إعراب * (الذين إن مكناهم فى الارض) * ما جاز في إعراب * (الذين أخرجوا) * وقال الزجاج: هو منصوب بدل ممن ينصره، والتمكين السلطنة ونفاذ الأمر على الخلق، والظاهر أنه من وصف المأذون لهم في القتال وهم المهاجرون، وفيه إخبار بالغيب عما يكون عليه سيرتهم إن مكن لهم في الأرض وبسط لهم في الدنيا، وكيف يقومون بأمر الدين. وعن عثمان رضي الله عنه: هذا والله ثناء قبل بلاء، يريد أن الله قد أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا، وقالوا: فيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين لأن الله تعالى لم يجعل التمكن ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة لغيرهم من المهاجرين لاحظ في ذلك للأنصار والطلقاء. وفي الآية أخذ العهد على من مكنه الله أن يفعل ما رتب على التمكين في الآية. وقيل: نزلت في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم). وعن الحسن وأب العالية: هم أمته عليه السلام. وعن عكرمة: هم أهل الصلوات الخمس، وهو قريب مما قبله. وقال ابن أبي نجيح: هم الولاة. وقال الضحاك: هو شرط شرطه الله من آناه الملك.
وقال ابن عباس: المهاجرون والأنصار والتابعون * (ولله عاقبة الامور) * توعد للمخالف ما ترتب على التمكين * (وإن يكذبوك) * الآية فيها تسلية للرسول بتكذيب من سبق من الأمم المذكورة لأنبيائهم، ووعيد لقريش إذ مثلهم بالأمم المكذبة المعذبة وأسند الفعل بعلامة التأنيث من حيث أراد الأمة والقبيلة، وبنى الفعل للمفعول في * (وكذب موسى) * أن قومه لم يكذبوه وإنما كذبه القبط * (فأمليت للكافرين) * أي أمهلت لهم وأخرت عنهم العذاب مع علمي بفعلهم، وفي قوله * (فأمليت للكافرين) * ترتيب الإملاء على وصف الكفر، فكذلك قريش أملى تعالى لهم ثم أخذهم في غزوة بدر وفي فتح مكة وغيرهما، والأخذ كناية عن العقاب والإهلاك، النكير مصدر كالندير المراد به المصدر، والمعنى فكيف كان إنكاري عليهم وتبديل حالهم الحسنة بالسيئة وحياتهم بالهلاك ومعمورهم بالخراب؟ وهذا استفهام يصحبه معنى التعجب، كأنه قيل: ما أشد ما كان إنكاري عليهم وفي الجملة إرهاب لقريش * (فكأين) * للتكثير، واحتمل أن يكون في موضع رفع على الابتداء وفي موضع نصب على الاشتغال.
وقرأ أبو عمرو وجماعة أهلكها بتاء المتكلم، والجمهور بنون العظمة * (وهى ظالمة) * جملة حالية * (فهى خاوية على عروشها) * تقدم تفسير هذه الجملة في البقرة في قوله * (أو كالذى مر على قرية) * وقال الزمخشري: فإن قلت: ما محل الجملتين من الإعراب؟ أعني * (وهى ظالمة فهى خاوية) * قلت: الأولى في محل نصب على الحال، والثانية لا محل لها لأنها معطوفة على * (* هلكناها) * وهذا الفعل ليس له محل انتهى.
وهذا الذي قاله ليس بجيد لأن * (نكير فكأين) * الأجود في إعرابها أن تكون مبتدأة والخبر الجملة من قوله * (أهلكناها) * فهي في موضع رفع والمعطوف على الخبر خبر، فيكون قوله * (فهى خاوية) * في موضع رفع، لكن يتجه قول الزمخشري على الوجه القليل وهو إعراب * (فكأين) * منصوبا بإضمار فعل على الاشتغال، فتكون الجملة من قوله * (* وأهلكناها) * مفسرة لذلك الفعل، وعلى هذا لا محل لهذه الجملة المفسرة فالمعطوف عليها لا محل له.
وقرأ الجحدري والحسن وجماعة * (وبئر معطلة) * مخففا يقال: عطلت البئر وأعطلتها فعطلت، هي بفتح الطاء، وعطلت المرأة من الحلي بكسر الطاء. قال الزمخشري: ومعنى المعطلة أنها عامرة فيها الماء ومعها آلات الاستقاء إلا أنها عطلت أي تركت لا يستقى منها لهلاك أهلها، والمشيد المجصص أو المرفوع البنيان والمعنى كم قرية أهلكنا، وكم بئر عطلنا عن سقاتها و * (وقصر مشيد) * أخليناه عن ساكنيه، فترك ذلك