تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣٣٧
* ضمنت برزق عيالنا أرماحنا أي رزق وكذا قراءة الحسن منصوبا قرأ * (ومن يرد) * إلحاده بظلم أي إلحادا فيه فتوسع. وقال ابن عطية: يجوز أن يكون التقدير * (ومن يرد فيه) * الناس * (بإلحاد) *. وقال الزمخشري: * (بإلحاد بظلم) * حالان مترادفتان ومفعول * (يرد) * متروك ليتناول كل متناول، كأنه قال * (ومن يرد فيه) * مراد إما عادلا من القصد ظالما * (نذقه من عذاب أليم) * وقيل: الإلحاد في الحرم منع الناس عن عمارته. وعن سعيد بن جبير: الاحتكار. وعن عطاء: قول الرجل في المبايعة لا والله وبلى والله انتهى. والأولى أن تضمن * (يرد) * معنى يتلبس فيتعدى بالباء. وعلق الجزاء وهو * (نذقه) * على الإرادة، فلو نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب بها إلا في مكة وهذا قول ابن مسعود وجماعة. وقال ابن عباس: الإلحاد هنا الشرك. وقال أيضا: هو استحلال الحرام. وقال مجاهد: هو العمل السئ فيه. وقال ابن عمر: لا والله وبلى والله من الإلحاد. وقال حبيب بن أبي ثابت: الحكر بمكة من الإلحاد بالظلم، والأولى حمل هذه الأقوال على التمثيل لا على الحصر إذ الكلام يدل على العموم. وقرأت فرقة * (ومن يرد) * بفتح الياء من الورود وحكاها الكسائي والفراء ومعناه ومن أتى به * (بإلحاد) * ظالما.
* ولما ذكر تعالى حال الكفار وصدهم عن المسجد الحرام وتوعد فيه من أراد فيه بإلحاد ذكر حال أبيهم إبراهيم وتوبيخهم على سلوكهم غير طريقه من كفرهم باتخاذ الأصنام وامتنانه عليهم بإنفاد العالم إليهم * (وإذ بوأنا) * أي واذكر * (إذ * بوأنا) * أي جعلنا * (لإبراهيم مكان البيت) * مباءة أي مرجعا يرجع إليه للعمارة والعبادة. قيل: واللام زائدة أي بوأنا إبراهيم مكان البيت أي جعلنا يبوء إليه كقوله * (لنبوئنهم من الجنة غرفا) * وقال الشاعر:
* كم صاحب لي صالح * بوأته بيدي لحدا * وقيل: مفعول * (بوأنا) * محذوف تقديره بوأنا الناس، واللام في * (لإبراهيم) * لام العلة أي لأجل إبراهيم كرامة له وعلى يديه. والظاهر أن قوله * (أن لا تشرك بى شيئا) * خطاب لإبراهيم وكذا ما بعده من الأمر. وقيل: هو خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم) * (وأن) * مخففة من الثقيلة قاله ابن عطية، والأصل أن يليها فعل تحقيق أو ترجيح كحالها إذا كانت مشددة أو حرف تفسير. قاله الزمخشري وابن عطية وشرطها أن يتقدمها جملة في معنى القول و * (بوأنا) * ليس فيه معنى القول، والأولى عندي أن تكون * (ءان) * الناصبة للمضارع إذ يليها الفعل المتصرف من ما ض ومضارع وأمر النهي كالأمر.
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف يكون النهي عن الشرك والأمر بتطهير البيت تفسيرا للتبوئة؟ قلت: كانت التبوئة مقصودة من أجل العبادة، فكأنه قيل تعبدنا إبراهيم قلنا له * (لا تشرك بى شيئا وطهر بيتى) * من الأصنام والأوثان والأقذار أن تطرح حوله.
وقرأ عكرمة وأبو نهيك: أن لا يشرك بالياء على معنى أن يقول معنى القول الذي قيل له. قال أبو حاتم: ولا بد من نصب الكاف على هذه القراءة بمعنى أن * (لا تشرك) *. والقائمون هم المصلون ذكر من أركانها أعظمها وهو القيام والركوع والسجود.
وقرأ الجمهور * (وأذن) * بالتشديد أي ناد. روي أنه صعد أبا قبيس فقال: يا أيها الناس حجوا بيت ربكم وتقدم قول من قال إنه خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم)، وقاله الحسن قال: أمر أن يفعل ذلك في
(٣٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 ... » »»