تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٩٤
محذوف، كأنه قيل: ولا يسمع النداء الصم شيئا.
ثم أخبر تعالى أن هؤلاء الذين صموا عن سماع ما أنذروا به إذا نالهم شيء مما أنذروا به، ولو كان يسيرا نادوا بالهلاك وأقروا بأنهم كانوا ظالمين، نبهوا على العلة التي أوجبت لهم العذاب وهو ظلم الكفر وذلوا وأذعنوا. قال ابن عباس: * (نفحة) * طرف وعنه هو الجوع الذي نزل بمكة وقال ابن جريج: نصيب من قولهم نفح له من العطاء نفحة إذا أعطاه نصيبا وفي قوله * (ولئن مستهم نفحة) * ثلاث مبالغات لفظ المس، وما في مدلول النفح من القلة إذ هو الريح اليسير أو ما يرضخ من العطية، وبناء المرة منه ولم يأت نفح فالمعنى أنه بأدنى إصابة من أقل العذاب أذعنوا وخضعوا وأقروا بأن سبب ذلك ظلمهم السابق.
ولما ذكروا حالهم في الدنيا إذا أصيبوا بشيء استطرد لما يكون في الآخرة التي هي مقر الثواب والعقاب، فأخبر تعالى عن عدله وأسند ذلك إلى نفسه بنون العظمة فقال * (ونضع الموازين) * وتقدم الكلام في الموازين في أول الأعراف، واختلاف الناس في ذلك هل ثم ميزان حقيقة وهو قول الجمهور أو ذلك على سبيل التمثيل عن المبالغة في العدل التام وهو قول الضحاك وقتادة؟ قالا: ليس ثم ميزان ولكنه العدل والقسط مصدر وصفت به الموازين مبالغة كأنها جعلت في أنفسها القسط، أو على حذف مضاف أي ذوات * (القسط) * ويجوز أن يكون مفعولا لأجله أي لأجل * (القسط) *. وقرئ القصط بالصاد. واللام في * (ليوم القيامة) * قال الزمخشري: مثلها في قولك: جئت لخمس ليال خلون من الشهر. ومنه بيت النابغة:
* ترسمت آيات لها فعرفتها * لستة أعوام وذا العام سابع * انتهى. وذهب الكوفيون إلى أن اللام تكون بمعنى في ووافقهم ابن قتيبة من المتقدمين، وابن مالك من أصحابنا المتأخرين، وجعل من ذلك قوله * (القسط ليوم القيامة) * أي في يوم، وكذلك لا يجليها لوقتها إلا هو أي في وقتها وأنشد شاهدا على ذلك لمسكين الدارمي:
* أولئك قومي قد مضوا لسبيلهم * كما قد مضى من قبل عاد وتبع وقول الآخر:
وكل أب وابن وإن عمرا معا مقيمين مفقود لوقت وفاقد وقيل اللام هنا للتعليل على حذف مضاف، أي لحساب يوم القيامة و * (شيئا) * مفعول ثان أو مصدر.
* وقرأ الجمهور: * (مثقال) * بالنصب خبر * (كان) * أي وإن كان الشيء أو وإن كان العمل وكذا في لقمان، وقرأ زيد بن علي وأبو جعفر وشيبة ونافع * (مثقال) * بالرفع على الفاعلية و * (كان) * تامة. وقرأ الجمهور * (ءاتينا) * من الإتيان أي جئنا بها، وكذا قرأ أبي أعني جئنا وكأنه تفسير لأتينا. وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن جبير وابن أبي إسحاق والعلاء بن سيابة وجعفر بن محمد وابن شريح الأصبهاني آتينا بمده على وزن فاعلنا من المواتاة وهي المجازاة والمكافأة، فمعناه جازينا بها ولذلك تعدى بحرف جر، ولو كان على أفعلنا من الإيتاء بالمد على ما توهمه بعضهم لتعدى مطلقا دون جاز قاله أبو الفضل الرازي.
وقال الزمخشري: مفاعلة من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء انتهى.
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»