تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٥٧
السامري من الحلي الذي كان أصله للقبط. وألقى فيه القبضة في البحر ليكون ذلك تنبيها على أن ما كان به قيام الحياة آل إلى العدم. وألقى في محل ما قامت به الحياة وإن أموال القبط قذفها الله في البحر بحيث لا ينتفع بها كما قذف الله أشخاص مالكيها في البحر وغرقهم فيه.
وقرأ الجمهور ونصر بن عاصم لابن يعمر * (ظلت) * بظاء مفتوحة ولام ساكنة. وقرأ ابن مسعود وقتادة والأعمش بخلاف عنه وأبو حيوة وابن أبي عبلة وابن يعمر بخلاف عنه كذلك إلا أنهم كسروا الظاء، وعن ابن يعمر ضمها وعن أبي والأعمش ظللت بلامين على الأصل، فأما حذف اللام فقد ذكره سيبويه في الشذوذ يعني شذوذ القياس لا شذوذ الاستعمال مع مست وأصله مسست وأحست أصله أحسست، وذكر ابن الأنباري همت وأصله هممت ولا يكون ذلك إلا إذا سكن آخر الفعل نحو ظلت إذ أظله ظللت. وذكر بعض من عاصرناه أن ذلك منقاس في كل مضاعف العين واللام في لغة بني سليم حيث تسكن آخر الفعل. وقد أمعنا الكلام على هذه المسألة في شرح التسهيل من تأليفنا، فأما من كسر الظاء فلأنه نقل حركة اللام إلى الظاء بعد نزع حركتها تقديرا ثم حذف اللام، وأما من ضمها فيكون على أنه جاء في بعض اللغات على فعل بضم العين فيهما، ونقلت ضمة اللام إلى الظاء كما نقلت في حالة الكسر على ما تقرر.
وقرأ الجمهور * (لنحرقنه) * مشددا مضارع حرق مشددا. وقرأ الحسن وقتادة وأبو جعفر وأبو رجاء والكلبي مخففا من أحرق رباعيا. وقرأ علي وابن عباس وحميد وأبو جعفر في رواية وعمرو بن فائد بفتح النون وسكون الحاء وضم الراء، والظاهر أن حرق وأحرق هو بالنار. وأما القراءة الثالثة فمعناها لنبردنه بالمبرد يقال حرق يحرق ويحرق بضم راء المضارع وكسرها. وذكر أبو علي أن التشديد قد يكون مبالغة في حرق إذا برد بالمبرد. وفي مصحف أبي وعبد الله لنذبحنه ثم لنحرقنه ثم لننسفنه وتوافق هذه القراءة من روى أنه صار لحما ودما ذا روح، ويترتب الإحراق بالنار على هذا، وأما إذا كان جمادا مصوغا من الحلي فيترتب برده لا إحراقه إلا إن عنى به إذابته.
وقال السدي: أمر موسى بذبح العجل فذبح وسالمنه الدم ثم أحرق ونسف رماده. وقيل: بردت عظامه بالمبرد حتى صارت بحيث يمكن نسفها. وقرأ الجمهور * (لننسفنه) * بكسر السين. وقرت فرقة منهم عيسى بضم السين. وقرأ ابن مقسم: لننسفنه بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد السين. والظاهر وقول الجمهور أن موسى تعجل وحده فوقع أمر العجل، ثم جاء موسى وصنع بالعجل ما صنع ثم خرج بعد ذلك بالسبعين على معنى الشفاعة في ذنب بني إسرائيل وأن يطلعهم أيضا على أمر المناجاة، فكان لموسى عليه السلام نهضتان. وأسند مكي خلاف هذا أن موسى كان مع السبعين في المناجاة وحينئذ وقع أمر العجل، وأن الله أعلم موسى بذلك فكتمه عنهم وجاء بهم حتى سمعوا لغط بني إسرائيل حول العجل، فحينئذ علمهم موسى انتهى. ولما فرغ من إبطال ما عمله السامري عاد إلى بيان الدين الحق فقال * (إنما إلاهكم الله) * وقرأ الجمهور * (واسع) * فانتصب علما على التمييز المنقول من الفاعل، وتقدم نظيره في الأنعام. وقرأ مجاهد وقتادة وسع بفتح السين مشددة. قال الزمخشري: وجهه أن * (واسع) * متعد إلى مفعول واحد وهو كل شيء. وأما * (علما) * فانتصابه على التمييز وهو في المعنى فاعل، فلما ثقل نقل إلى التعدية إلى مفعولين فنصبهما معا على المفعولية، لأن المميز فاعل في المعنى كما تقول: خاف زيد عمرا خوفت زيدا عمرا، فترد بالنقل ما كان فاعلا مفعولا. وقال ابن عطية * (واسع) * بمعنى خلق الأشياء وكثرها بالاختراع فوسعها موجودات انتهى.
* (كذالك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد اتيناك من لدنا ذكرا * من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا * خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا * يوم ينفخ فى الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا * يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما * ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا * فيذرها قاعا صفصفا * لا ترى فيها عوجا ولا أمتا * يومئذ يتبعون الداعى لا عوج له وخشعت الاصوات للرحمان فلا تسمع إلا همسا * يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمان ورضى له قولا * يعلم ما بين
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»