تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٦٢
مرفوع به. وقرأ عبد الله والجحدري والحسن وأبو حيوة ويعقوب وسلام والزعفراني وابن مقسم نقضي بنون العظمة مفتوح الياء وحيه بالنصب. وقرأ الأعمش كذلك إلا أنه سكن الياء من يقضي. قال صاحب اللوامح: وذلك على لغة من لا يرى فتح الياء بحال إذا انكسر ما قبلها وحلت طرفا انتهى.
* (وقل رب زدنى علما) * قال مقاتل أي قرآنا. وقيل: فهما. وقيل: حفظا وهذا القول متضمن للتواضع لله والشكر له عندما علم من ترتيب التعلم أي علمتني مآرب لطيفة في باب التعلم وأدبا جميلا ما كان عندي، فزدني علما. وقيل: ما أمر الله رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في طلب العلم.
* (ولقد عهدنا إلى * من ربه * قبل فنسى ولم نجد له عزما * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس أبى * فقلنا يائادم * أن لا * هاذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى * إن لك * أن لا * تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمؤا فيها ولا * ولا تضحى * فوسوس إليه الشيطان قال يئادم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى * فأكلا منها فبدت لهما سوءتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصىءادم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى * قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى * ومن) *.
تقدمن قصة آدم في البقرة والأعراف والحجر والكهف، ثم ذكر ههنا لما تقدم * (كذالك نقص عليك من أنباء ما قد سبق) * كان من هذا الإنباء قصة آدم ليتحفظ بنوه من وسوسة الشيطان ويتنبهوا على غوائله، ومن أطاع الشيطان منهم ذكر بما جرى لأبيه آدم معه وأنه أوضحت له عداوته، ومع ذلك نسي ما عهد إليه ربه وأيضا لما أمر بأن يقول * (رب زدنى علما) * كان من ذلك ذكر قصة آدم وذكر شيء من أحواله فيها لم يتقدم ذكرها، فكان في ذلك مزيد علم له عليه السلام، والعهد عند الجمهور الوصية. والظاهر أن المضاف إليه المحذوف بعد قوله * (من قبل) * تقديره * (من قبل) * هؤلاء الذين صرف لهم من الوعيد في القرآن لعلهم يتقون، وهم الناقضو عهد الله والتاركو الإيمان. وقال الحسن: * (من قبل) * الرسول والقرآن. وقيل: * (من قبل) * أن يأكل من الشجرة.
وقال الطبري: المعنى أن يعرض يا محمد هؤلاء الكفرة عن آياتي ويخالفوا رسلي ويطيعوا إبليس، فقدما فعل ذلك أبوهم آدم. قال ابن عطية: وهذا ضعيف وذلك أن كون آدم مثالا للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء، وآدم عليه السلام إنما عصى بتأويل ففي هذا غضاضته عليه السلام، وإنما الظاهر في هذه الآية إما أن يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله، وإما أن يجعل تعلقه إنما هو لما عهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم) أن لا يعجل بالقرآن مثل له بنبي قبله عهد إليه * (فنسى) * فعرف ليكون أشد في التحذير وأبلغ في العهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم).
وقال الزمخشري: يقال في أموامر الملوك ووصاياهم: تقدم الملك إلى فلان وأوغر عليه وعزم عليه وعهد إليه، عطف الله سبحانه وتعالى قصة آدم على قوله * (وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون) * والمعنى وأقسم قسما لقد أمرنا أباهم آدم ووصيناه أن لا يقرب الشجرة، وتوعدناه بالدخول في جملة الظالمين إن قربها وذلك * (من قبل) * وجودهم * (من قبل) * أن نتوعدهم فخالف إلى ما نهي عنه وتوعد في ارتكابه مخالفتهم، ولم يلتفت إلى الوعيد كما لا يلتفتون كأنه يقول: إن أساس أمر بني آدم على ذلك وعرقهم راسخ فيه انتهى. والظاهر أن النسيان هنا الترك إن ترك ما وصي به من الاحتراس عن الشجرة وأكل ثمرتها. وقال الزمخشري: يجوز أن يراد بالنسيان الذي هو نقيض الذكر وأنه لم يعن بالوصية العناية الصادقة ولم يستوثق منها بعقد القلب عليها وضبط النفس حتى
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»