قصة الثلاثة الذين خلفوا أمر الرسول عليه السلام أن لا يكلموا ولا يخالطوا وأن يعتزلوا نساءهم حتى تاب الله عليهم. وقرأ الجمهور * (لا مساس) * بفتح السين والميم المكسورة و * (مساس) * مصدر ماس كقتال من قاتل، وهو منفي بلا التي لنفي الجنس، وهو نفي أريد به النهي أي لا تمسني ولا أمسك. وقرأ الحسن وأبو حيوة وابن أبي عبلة وقعنب بفتح الميم وكسر السين. فقال صاحب اللوامح: هو على صورة نزال ونظار من أسماء الأفعال بمعنى أنزل وأنظر، فهذه الأسماء التي بهذه الصيغة معارف ولا تدخل عليها إلا النافية التي تنصب النكرات نحو لا مال لك، لكنه فيه نفي الفعل فتقديره لا يكون منك مساس، ولا أقول مساس ومعناه النهي أي لا تمسني انتهى. وظاهر هذا أن مساس اسم فعل. وقال الزمخشري * (لا مساس) * بوزن فجار ونحوه قولهم في الظباء:
* إن وردن الماء فلا عباب * وإن فقدنه فلا إباب * وهي أعلام للمسة والعبة والأبة وهي المرة من الأب وهو الطلب. وقال ابن عطية * (لا مساس) * هو معدول عن المصدر كفجار ونحوه، وشبهه أبو عبيدة وغيره بنزال ودراك ونحوه، والشبه صحح من حيث هي معدولات، وفارقه في أن هذه عدلت عن الأمر ومساس وفجار عدلت عن المصدر. ومن هذا قول الشاعر:
* تميم كرهط السامري وقوله * ألا لا يريد السامري مساس * انتهى. فكلام الزمخشري وابن عطية يدل على أن مساس معدول عن المصدر الذي هو المسة، كفجار معدولا عن الفجرة * (وإن لك موعدا) * أي في يوم القيامة. وقرأ الجمهور * (لن تخلفه) * بالتاء المضمومة وفتح اللام على معنى لن يقع فيه خلف بل ينجزه لك الله في الآخرة على الشرك والفساد بعدما عاقبك في الدنيا. وقال الزمخشري: وهذا من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا. قال الأعشى:
* أثوى وقصر ليله ليزودا * فمضى وأخلف من قتيلة موعدا * وقرأ ابن كثير والأعمش وأبو عمرو بضم التاء وكسر اللام أي لن تستطيع الروغان عنه. والحيدة فتزول عن موعد العذاب. وقرأ أبو نهيك: لن تخلفه بفتح التاء وضم اللام هكذا بالتاء منقوطة من فوق عن أبي نهيك في نقل ابن خالويه. وفي اللوامح أبو نهيك لن يخلفه بفتح الياء وضم اللام وهو من خلفه يخلفه إذا جاء بعده أي الموعد الذي لك لا يدفع قولك الذي تقوله فيما بعد * (لا مساس) * بالفعل فهو مسند إلى الموعد أو الموعد لن يختلف ما قدر لك من العذاب في الآخرة. وقال سهل: يعني أبا حاتم لا يعرف لقراءة أبي نهيك مذهبا انتهى. وقرأ ابن مسعود والحسن بخلاف عنه نخلفه بالنون وكسر اللام أي لا ننقص مما وعدنا لك من الزمان شيئا. وقال ابن جني لن يصادفه مخالفا. وقال الزمخشري: لن يخلفه الله. حكى قوله عز وكل كما مر في * (لاهب لك) * انتهى.
ثم وبخ موسى عليه السلام السامري بما أراد أن يفعل بالعجل الذي اتخذه إلها من الاستطالة عليه بتغيير هيئته، فواجهه بقوله * (وانظر إلى إلاهك) * وخاطبه وحده إذ كان هو رأس الضلال وهو ينظر لقولهم * (لن نبرح عليه عاكفين) * وأقسم * (لنحرقنه) * وهو أعظم فساد الصورة * (ثم لننسفنه فى اليم) * حتى تتفرق أجزاؤه فلا يجتمع، ويظهر أنه لما كان قد أخذ السامري القبضة من أثر فرس جبريل وهو داخل البحر حالة تقدم فرعون وتبعه فرعون في الدخول ناسب أن ينسف ذلك العجل الذي صاغه