تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٥٨
أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما * وعنت الوجوه للحى القيوم وقد خاب من حمل ظلما * ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما * وكذالك أنزلناه قرءانا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا * فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرءان من قبل إن يقضى إليك وحيه وقل رب زدنى علما) *.
ذلك إشارة إلى نبأ موسى وبني إسرائيل وفرعون أي كقصنا هذا النبأ الغريب نقص عليك من أنباء الأمم السابقة، وهذا فيه ذكر نعمة عظيمة وهي الإعلام بأخبار الأمم السالفة ليتسلى بذلك ويعلم أن ما صدر من الأمم لرسلهم وما قاست الرسل منهم، والظاهر أن الذكر هنا القرآن امتن تعالى عليه بإيتائه الذكر المشتمل على القصص والأخبار الدال ذلك على معجزات أوتيها. وقال مقاتل: * (ذكرا) * بيانا. وقال أبو سهل: شرفا وذكرا في الناس.
* (من أعرض عنه) * أي عن القرآن بكونه لم يؤمن به ولم يتبع ما فيه. وقرأ الجمهور * (يحمل) * مضارع حمل مخففا مبنيا للفاعل. وقرأت فرقة منهم داود بن رفيع: يحمل مشدد الميم مبنيا للمفعول لأنه يكلف ذلك لا أنه يحمله طوعا و * (وزرا) * مفعول ثان و * (وزرا) * ثقلا باهظا يؤده حمله وهو ثقل العذاب. وقال مجاهد: إثما. وقال الثوري شركا والظاهر أنه عبر عن العقوبة بالوزر لأنه سببها ولذلك قال * (خالدين فيه) * أي في العذاب والعقوبة وجمع خالدين، والضمير في * (لهم) * حملا على معنى من بعد الحمل على لفظها في أعرض وفي فإنه يحمل، والمخصوص بالذم محذوف أي وزرهم و * (لهم) * للبيان كهي في * (هيت لك) * لا متعلقة بساء * (وساء) * هنا هي التي جرت مجرى بئس لا ساء التي بمعنى أحزن وأهم لفساد المعنى.
ويوم ننفخ بدل من يوم القيامة. وقرأ الجمهور * (ينفخ) * مبنيا للمفعول * (ونحشر) * بالنن مبنيا للفاعل بنون العظمة. وقرأ أبو عمرو وابن محيصن وحميد: ننفخ بنون العظمة لنحشر أسند النفخ إلى الآمر به، والنافخ هو إسرافيل ولكرامته أسند ما يتولاه إلى ذاته المقدسة و * (الصور) * تقدم الكلام فيه في الأنعام. وقرئ ينفخ ويحخشر بالياء فيهما مبنيا للفاعل. وقرأ الحسن وابن عياض في جماعة * (فى الصور) * على وزن درر والحسن: يحشر، بالياء مبنيا للمفعول، ويحشر مبنيا للفاعل، وبالياء أي ويحشر الله. والظاهر أن المراد بالزرق زرقة العيون، والزرقة أبغض ألوان العيون إلى العرب لأن الروم أعداؤهم وهم زرق العيون، ولذلك قالوا في صفة العدو: أسود الكبد، أصهب السبال، أزرق العين. وقال الشاعر:
* وما كنت أخشى أن تكون وفاته * بكفي سبنتي أزرق العين مطرق وقد ذكر في آية أخرى أنهم يحشرون سود الوجوه، فالمعنى تشويه الصورة من سواد الوجه وزرقة العين وأيضا فالعرب تتشاءم بالزرقة. قال الشاعر:
لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبرألا كل عليسى من اللؤم أزرق وقيل: المعنى عميا لأن العين إذا ذهب نورها أزرق ناظرها، وبهذا التأويل يقع الجمع بين قوله * (زرقا) * في هذه الآية و * (عميا) * في الآية الأخرى. وقيل: زرق ألوان أبدانهم، وذلك غاية في التشويه إذ يجيئن كلون الرماد وفي كلام العرب يسمى هذا اللون أزرق، ولا تزرق الجلود إلا من مكابدة الشدائد وجفوف رطوبتها. وقيل: * (زرقا) * عطاشا والعطش الشديد يرد سواد العين إلى البياض، ومنه قولهم سنان أزرق وقوله:
فلما وردن الماء زرقا جمامه أي ابيض، وذكرت الآيتان لابن عباس فقال ليوم القيامة حالات فحالة يكونون فيها زرقا وحالة يكونون
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»