تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١٩٨
على أن الورود عام. وقرأ عبد الله وابن عباس وأبي وعلي والجحدري وابن أبي ليلى ومعاوية بن قرة ويعقوب ثم بفتح الثاء أي هناك، ووقف ابن أبي ليلى ثمة بهاء السكت. وقرأ الجمهور: * (ننجى) * بفتح النون وتشديد الجيم. وقرأ يحيى والأعمش والكسائي وابن محيصن بإسكان النون وتخفيف الجيم. وقرأت فرقة نجي بنون واحدة مضمومة وجيم مشددة. وقرأ علي: ننحي بحاء مهملة مضارع نحى، ومفعول * (اتقوا) * محذوف أي الشرك والظلم هنا ظلم الكفر.
* (وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات) * نزلت في النضر بن الحارث وأصحابه، كان فقراء الصحابة في خشونة عيش ورثاثة سربال والمشركون يدهنون رؤوسهم ويرجلون شعورهم ويلبسون الحرير وفاخر الملابس، فقالوا للمؤمنين: * (أى الفريقين خير مقاما) * أي منزلا وسكنا * (وأحسن نديا) * ولما أقام الحجة على منكري البعث وأتبعه بما يكون يوم القيامة أخبر عنهم أنهم عارضوا تلك الحجة الدامغة بحسن شارتهم في الدنيا، وذلك عندهم يدل على كرامتهم على الله. وقرأ أبو حيوة والأعرج وابن محيصن يتلي بالياء والجمهور بالتاء من فوق كان المؤمن يتلو على الكافر القرآن وينوه بآيات النبي صلى الله عليه وسلم) فيقول الكافر: إنما يحسن الله لأحب الخلق إليه وينعم على أهل الحق، ونحن قد أنعم علينا دونكم فنحن أغنياء وأنتم فقراء، ونحن أحسن مجلسا وأجمل شارة.
ومعنى * (بينات) * مرتلات الألفاظ ملخصات المعاني أو ظاهرات الإعجاز أو حججا وبراهين. و * (بينات) * حال مؤكدة لأن آياته تعالى لا تكون إلا بهذا الوصف دائما. وقرأ الجمهور * (مقاما) * بفتح الميم. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد والجعفي وأبو حاتم عن أبي عمر وبضم الميم واحتمل الفتح والضم أن يكون مصدرا أو موضع قيام أو إقامة، وانتصابه على التمييز. ثم ذكر تعالى كثرة ما أهلك من القرون ممن كان أحسن حالا منهم في الدنيا تنبيها على أنه تعالى يهلكهم ويستأصل شأفتهم كما فعل بغيرهم واتعاظا لهم إن كانوا ممن يتعظ، ولم يغن عنهم ما كانوا فيه من حسن الأثاث والري، ويعني إهلاك تكذيب لما جاءت به الرسل. و * (من قرن) * تبيين لكم و * (كم) * مفعول بأهلكنا.
وقال الزمخشري: و * (هم أحسن) * في محل النصب صفة لكم. ألا ترى أنك لو تركت * (هم) * لم يكن لك بد من نصب * (أحسن) * على الوصفية انتهى. وتابعه أبو البقاء على أن * (هم أحسن) * صفة لكم، ونص أصحابنا على أن * (كم) * الاستفهامية والخبرية لا توصف ولا يوصف بها، فعلى هذا يكون * (هم أحسن) * في موضع الصفة لقرن، وجمع لأن القرن هو مشتمل على أفراد كثيرة فروعي معناه، ولو أفرد الضمير على اللفظ لكان عربيا فصار كلفظ جميع. قال * (لما جميع لدينا محضرون) * وقال: نحن جميع منتصر فوصفه بالجمع وبالمفرد وتقدم تفسير الأثاث في سورة النحل.
وقرأ الجمهور * (* ورئيا) * بالهمزة من رؤية العين فعل بمعنى مفعول كالطحن والسقي. وقال ابن عباس: الرئي المنظر. وقال الحسن: معناه صورا. وقال الزهري وأبو جعفر وشيبة وطلحة في رواية الهمداني وأيواب وابن سعدان وابن ذكوان وقالون وريا بتشديد الياء من غير همز، فاحتمل أن يكون مهموز الأصل من الرواء والمنظر سهلت همزته بإبدالها ياء ثم أدغمت الياء في الياء، واحتمل أن يكون من الري ضد العطش لأن الريان من الماء له من الحسن والنضارة ما يستحب ويستحن، كماله منظر حسن من وجه آخر مما يرى ويقابل. وقرأ أبو بكر في رواية الأعمش عن عاصم وحميد * (* ورئيا) * بياء ساكنة بعدها همزة وهو على القلب ووزنه فلعا، وكأنه من راء. قال الشاعر:
* وكل خليل راءني فهو قائل * من أجل هذا هامة اليوم أو غد
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»