ذلك فلا نتمالك أن ننتقل من جهة إلى جهة ومكان إلى مكان إلا بأمر المليك ومشيئته، والمعنى أنه محيط بكل شيء لا تخفى عليه خافية، فكيف نقدم على فعل نحدثه إلا صادرا عما توجبه حكمته ويأمرنا ويأذن لنا فيه انتهى. وقال البغوي: له علم ما بين أيدينا.
وقال أبو مسلم وابن بحر: * (وما نتنزل) * الآية ليس من كلام الملائكة وإنما هو من كلام أهل الجنة بعضهم لبعض إذا دخلوها وهي متصلة بالآية الأولى إلى قوله * (وما بين ذالك) * أي ما ننزل الجنة إلا بأمر ربك له * (ما بين أيدينا) * أي في الجنة مستقبلا * (وما خلفنا) * مما كان في الدنيا وما بينهما أي ما بين الوقتين. وحكى الزمخشري هذا القول فقال: وقيل هي حكاية قول المتقين حين يدخلون الجنة أي وما ننزل الجنة إلا بإذن من الله علينا بثواب أعمالنا وأرنا بدخولها وهو الملك لرقاب الأمور كلها السالفة والمترقبة والحاضرة، اللاطف في أعمال الخير والموفق لها والمجازي عليها.
ثم قال تعالى تقريرا لهم * (وما كان ربك نسيا) * لأعمال العاملين غافلا عما يجب أن يثابوا به، وكيف يجوز النسيان والغفلة على ذي ملكوت السماوات والأرض وما بينهما انتهى. وقال القاضي: هذا مخالف للظاهر من وجوه.
أحدهما: أن ظاهر التنزيل نزول الملائكة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ولقوله * (بأمر ربك) * فظاهر الأمر بحال التكليف أليق.
وثانيها: خطاب من جماعة لواحد، وذلك لا يليق بمخاطبة بعضهم لبعض في الجنة.
وثالثها: أن ما في مساقه * (وما كان ربك نسيا * رب * السماوات والارض * وما بينهما) * لا يليق بحال التكليف ولا يوصف به الرسول انتهى.
وقرأ الجمهور * (وما نتنزل) * بالنون عنى جبريل نفسه والملائكة. وقرأ الأعرج بالياء على أنه خبر من الله. قيل: والضمير في يتنزل عائد على جبريل عليه السلام. قال ابن عطية: ويرده له * (ما بين أيدينا) * لأنه لا يطرد معه وإنما يتجه أن يكون خبرا عن جبريل أن القرآن لا يتنزل إلا بأمر الله في الأوقات التي يقدرها وكذا قال الزمخشري على الحكاية عن جبريل، والضمير للوحي انتهى. ويحمل ذلك القول على إضمار أي وما يتنزل جبريل إلا بأمر ربك قائلا له * (ما بين أيدينا) * أي يقول ذلك على سبيل الاستعذار في البطء عنك بأن ربك متصرف فينا ليس لنا أن نتصرف إلا بمشيئته، وإخبار أنه تعالى ليس بناسيك وإن تأخر عنك الوحي.
وارتفع * (رب * السماوات) * على البدل أو على خبر مبتدأ محذوف. وقرأ الجمهور * (هل تعلم) * بإظهار اللام عند التاء. وقرأ الأخوان وهشام وعلي بن نصر وهارون كلاهما عن أبي عمرو والحسن والأعمش وعيسى وابن محيصن بالإدغام فيهما. قال أبو عبيدة هما لغتان وعلى الإدغام أنشدوا بيت مزاحم العقيلي:
* فذرذا ولكن هثعين متيما * على ضوء برق آخر الليل ناصب وعدي فاصطبر باللام على سبيل التضمين أي أثبت بالصبر لعبادته لأن العبادة تورد شدائد، فاثبت لها وأصله التعدية بعلى كقوله تعالى * (واصطبر عليها) * والسمي من توافق في الاسم تقول: هذا سميك أي اسمه مثل اسمك، فالمعنى أنه لم يسم بلفظ الله شيء قط، وكان المشركون يسمون أصنامهم آلهة والعزى إله وأما لفظ الله فلم يطلقوه على شيء من أصنامهم. وعن ابن عباس: لا يسمى أحد الرحمن غيره. وقيل: يحتمل أن يعود ذلك على قوله * (رب * السماوات والارض * وما بينهما) * أي هل تعلم من يسمى أو يوصف بهذا الوصف، أي ليس أحد من الأمم يسمى