تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٠٣
العون وحد توحيد وهم على من سواهم لاتفاق كلمتهم وأنهم كشيء واحد لفرط تضامهم وتوافقهم، ومعنى كونهم عونا عليهم أنهم وقود النار وحصب جهنم ولأنهم عذبوا بسبب عبادتهم.
* (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا * فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا * يوم نحشر المتقين إلى الرحمان وفدا * ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا * لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمان عهدا * وقالوا اتخذ الرحمان ولدا * لقد جئتم شيئا * إذا * تكاد * السماوات * يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال * هاذا إن * دعوا للرحمان ولدا * وما ينبغى للرحمان أن يتخذ ولدا * إن كل من فى * السماوات والارض * إلا اتباع * الرحمان عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم ءاتيه يوم القيامة فردا * إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا * فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا * وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) *.
* (أرسلنا) * معناه سلطنا أو لم نحل بينهم وبينهم مثل قوله * (نقيض له شيطانا) * وتعديته بعلى دليل على أنه تسليط و * (تؤزهم) * تحركهم إلى الكفر. وقال قتادة: تزعجهم. وقال ابن زيد: تشليهم. وقال الزمخشري: تغريهم على المعاصي وتهيجهم لها بالوساوس والتسويلات، والمعنى خلينا بينهم وبينهم ولم نمنعهم ولو شاء لمنعهم، والمراد تعجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد الآيات التي ذكر فيها العتاة من الكفار وأقاويلهم.
عجلت عليه بكذا إذا استعجلته منه أي لا تعجل عليهم بأن يهلكوا فليس بينك وبين ما تطلب من هلاكهم إلا أيام محصورة وأنفاس معدودة كأنها في سرعة تقضيها الساعة التي تعد فيها لوعدت ونحوه قوله تعالى * (ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار) * انتهى. وقيل * (نعد) * أعمالهم لنجازيهم. وقيل: آجالهم فإذا جاء أحللنا العقوبة بهم. وقيل: أيامهم التي سبق قضاؤنا أن نمهلهم إليها. وقيل: أنفاسهم، وانتصب * (يوم) * باذكر أو احذر مضمرة أو على تقدير يكون ذلك جوابا لسؤال مقدر تقديره متى يكون ذلك أو سيكفرون بعبادتهم أو بيكونون عليهم ضدا أو معنى بعدا، وتضمن العد والإحصاء معنى المجازاة، أو * (يوم نحشر) * ونسوق نفعل بالفريقين ما لا يحيط به الوصف أو بلا يملكون، وكلها مقول في نصب * (يوم) * والأوجه الأخير. وعدى * (نحشر) * بإلى * (الرحمان) * تعظيما لهم وتشريفا. وذكر صفة الرحمانية التي خصهم بها كرامة إذ لفظ الحشر فيه جمع من أماكن متفرقة وأقطار شاسعة على سبيل القهر، فجاءت لفظة * (الرحمان) * مؤذنة بأنهم يحشرون إلى من يرحمهم، ولفظ السوق فيه إزعاج وهو إن عدي بإلى جهنم تفظيعا لهم وتبشيعا لحال مقرهم، ولفظة الوفد مشعرة بالإكرام والتبجيل كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين للكرامة عنده.
وعن علي: على نوق رحالها ذهب، وعلى نجائب سرجها ياقوت، وعنه أيضا إنهم يجيئون ركبانا على النوق المحلاة بحلية الجنة خطمها من ياقوت وزبرجد. وريوي عمرو بن قيس الملائي أنهم يركبون على تماثيل من أعمالهم الصالحة في غاية الحسن، روى أنه يركب كل أحد منهم ما أحب من إبل أو خيل أو سفن تجيء عائمة بهم. والظاهر أن هذه الوفادة بعد انقضاء الحساب وأنها النهوض إلى الجنة كما قال * (فى مقعد صدق عند مليك مقتدر) * وشبهوا بالوفود لأنهم سراة الناس وأحسنهم شكلا وليست وفادة حقيقية لأنها تتضمن الانصراف من الموفود عليه، وهؤلاء مقيمون أبدا في ثواب ربهم وهو الجنة والورد العطاش قاله ابن عباس وأبو هريرة والحسن، والورد مصدر ورد أي سار إلى الماء. قال الراجز:
* ردي ردي ورد قطاة صما * كدرية أعجبها برد الماء *
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»