تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١٢٣
كنز الجنة)؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: (لا قوة إلا بالله إذا قالها العبد قال الله عز وجل أسلم عبدي واستسلم). ونحوه من حديث أبي موسى وفيه إلا بالله العلي العظيم.
ثم أردف تلك النصيحة بترجية من الله، وتوقعه أن يقلب ما به وما بصاحبه من الفقر والغنى. فقال: * (إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا) * أي إني أتوقع من صنع الله تعالى وإحسانه أن يمنحني جنة خيرا من جنتك لإيماني به، ويزيل عنك نعمته لكفرك به ويخرب بستانك. وقرأ الجمهور: * (أقل) * بالنصب مفعولا ثانيا لترني وهي علمية لا بصرية لوقوع * (أنا) * فصلا، ويجوز أن يكون توكيدا للضمير المنصوب في ترني، ويجوز أن تكون بصرية و * (أنا) * توكيد للضمير في ترني المنصوب فيكون * (أقل) * حالا. وقرأ عيسى بن عمر * (أقل) * بالرفع على أن تكون أنا مبتدأ، و * (أقل) * خبره، والجملة في موضع مفعول ترني الثاني إن كانت علمية، وفي موضع الحال إن كانت بصرية. ويدل قوله * (وولدا) * على أن قوله صاحبه * (وأعز نفرا) * عنى به الأولاد إن قابل كثرة المال بالقلة وعزة النفر بقلة الولد.
والحسبان، قال ابن عباس وقتادة: العذاب. وقال الضحاك: البرد. وقال الكلبي: النار. وقال ابن زيد: القضاء. وقال الأخفش: سهام ترمي في مجرى فقلما تخطىء. وقيل: النبل. وقيل: الصواعق. وقيل: آفة مجتاحة. وقال الزجاج: عذاب حسبان وذلك الحسبان حساب ما كسبت يداك، وهذا الترجي إن كان ذلك أن يؤتيه في الدنيا فهي أنكى للكافر وآلم إذ يرى حاله من الغنى قد انتقلت إلى صاحبه، وإن كان ذلك أن يؤتيه في الآخرة فهو أشرف وأذهب مع الخير والصلاح * (فتصبح صعيدا) * أي أرضا بيضاء لا نبات فيها لا من كرم ولا نخل ولا زرع، قد اصطلم جميع ذلك فبقيت يبابا قفرا يزلق عليها لإملاسها، والزلق الذي لا تثبت فيه قدم ذهب غراسة وبناؤه وسلب المنافع حتى منفعة المشي فيه فهو وحل لا ينبت ولا يثبت فيه قدم. وقال الحسن: الزلق الطريق الذي لا نبات فيه. وقيل: الخراب. وقال مجاهد: رملا هائلا. وقيل: الزلق الأرض السبخة وترجي المؤمن لجنة هذا الكافر آفة علوية من السماء أو آفة سفلية من الأرض، وهو غور مائها فيتلف كل ما فيها من الشجر والزرع، وغور مصدر خبر عن اسم أصبح على سبيل المبالغة و * (أو يصبح) * معطوف على قوله * (يرسل) * لأن غؤور الماء لا يتسبب على الآفة السماوية إلا إن عنى بالحسبان القضاء الإلهي، فحينئذ يتسبب عنه إصباح الجنة * (صعيدا زلقا) * أو إصباح مائها * (غورا) *.
وقرأ الجمهور * (غورا) * بفتح الغين. وقرأ البرجمي: * (غورا) * بضم الغين. وقرأت فرقة بضم الغين وهمز الواو يعنون وبواو بعد الهمزة فيكون غؤورا كما جاء في مصدر غارت عينه غؤورا، والضمير في * (له) * عائد على الماء أي لن يقدر على طلبه لكونه ليس مقدورا على رد ماغوره الله تعالى. وحكى الماوردي أن معناه: لن تستطيع طلب غيره بدلا منه، وبلغ الله المؤمن ما ترجاه من هلاك ما بيد صاحبه الكافر وإبادته على خلاف ما ظن في قوله ما أظن أن تبيد هذه أبدا فأخبر تعالى أنه * (أحيط * بثمره) * وهو عبارة عن الإهلاك وأصله من أحاط به العدو وهو استدارته به من جوانبه، ومتى أحاط به ملكه واستولى عليه ثم استعملت في كل إهلاك ومنه * (إلا أن يحاط بكم) *. وقال ابن عطية: الإحاطة كناية عن عموم العذاب والفساد انتهى.
والظاهر أن الإحاطة كانت ليلا لقوله * (فأصبح) * على أن أنه يحتمل أن يكون معنى * (فأصبح) * فصار فلا يدل على تقييد الخبر بالصباح، وتقليب كفية ظاهره أنه * (يقلب كفيه) * ظهرا لبطن وهو أنه يبدي باطن كفه ثم يعوج كفه حتى يبدو ظهرها، وهي فعلة النادم المتحسر على شيء قد فاته، المتأسف على فقدانه، كما يكنى بقبض الكف والسقوط في اليد. وقيل: يصفق بيده على الأخرى و * (يقلب كفيه) * ظهر البطن. وقيل: يضع باطن إحداهما على ظهر الأخرى، ولما كان هذا الفعل كناية عن الندم عداه تعدية فعل الندم فقال * (على ما * وأنزلنا فيها) * كأنه قال: فأصبح نادما على ذهاب ما أنفق في عمارة تلك الجنة * (وهى خاوية على عروشها) * تقدم
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»