* (رشدا) * وأدنى خيرا أو منفعة، ولعل النسيان كان خيرة كقوله * (أو * ننسها نأت بخير منها) *. وقال الزمخشري: وهذا إشارة إلى بناء أهل الكهف، ومعناه لعل الله يؤتيني من البينات والحجج على أني نبي صادق ما هو أعظم في الدلالة وأقرب رشدا من بناء أصحاب الكهف، وقد فعل ذلك حيث آتاد من قصص الأنبياء والأخبار بالغيوب ما هو أعظم من ذلك وأدل انتهى. وهذا تقدمه إليه الزجاج قال المعنى: * (عسى) * أن ييسر الله من الأدلة على نبوتي أقرب من دليل أصحاب الكهف.. وقال ابن الأنباري: * (عسى) * أن يعرفني جواب مسائلكم قبل الوقت الذي حددته لكم ويعجل لي من جهته الرشاد. وقال محمد الكوفي المفسر: هي بألفاظها مما أمر أن يقولها كل من لم يستثن وإنها كفارة لنسيان الاستثناء.
* (ولبثوا فى كهفهم مئة سنين وازدادوا تسعا * قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والارض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولى ولا يشرك فى حكمه أحدا * واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا) *.
الظاهر أن قوله * (ولبثوا) * الآية إخبار من الله تعالى بمدة لبثهم نياما في الكهف إلى أن أطلع الله عليهم. قال مجاهد: وهو بيان لمجمل قوله تعالى * (فضربنا علىءاذانهم فى الكهف سنين عددا) * ولما تحرر هذا العدد بإخبار من الله تعالى أمر نبيه أن يقول * (قل الله أعلم بما لبثوا) * فخبره هذا هو الحق والصدق الذي لا يدخله ريب، لأنه عالم * (غيب السماوات والارض) * والظاهر أن قوله * (بما لبثوا) * إشارة إلى المدة السابق ذكرها. وقال بعضهم: * (بما لبثوا) * إشارة إلى المدة التي بعد الاطلاع عليهم إلى مدة الرسول صلى الله عليه وسلم). وقيل: لما قال * (وازدادوا تسعا) * كانت التسعة منبهمة هي الساعات والأيام والشهور والأعوام، واختلفت بنو إسرائيل بحسب ذلك فأمره تعالى برد العلم إليه يعني في التسع وهذا بعيد لأنه إذا سبق عدد مفسر وعطف عليه ما لم يفسر حمل تفسيره على السابق. وحكى النقاش أنها ثلاثمائة شمسية، ولما كان الخطاب للعرب زيدت التسع إذ حساب العرب هو بالقمر لاتفاق الحسابين. وقال قتادة ومطر الوراق: * (لبثوا) * إخبار من بني إسرائيل، واحتجوا بما في مصحف عبد الله وقالوا * (لبثوا) * وعلى غير قراءة عبد الله يكون معطوفا على المحكي بقوله * (سيقولون) *.
ثم أمر الله نبيه أن يرد العلم إليه * (بما لبثوا) * ردا عليهم وتفنيدا لمقالتهم. قيل: هو من قول المتنازعين في أمرهم وهو الصحيح على مقتضى سياق الآية، ويؤيده * (قل الله أعلم بما لبثوا) * جعل ذلك من الغيوب التي هو تعالى مختص بها. وقرأ الجمهور: مائة بالتنوين. قال ابن عطية: على البدل أو عطف البيان. وقيل: على التفسير والتمييز. وقال الزمخشري: عطف بيان لثلاثمائة. وحكي أبو البقاء أن قوما أجازوا أن يكون بدلا من مائة لأن مائة في معنى مئات، فأما عطف البيان فلا يجوز على مذهب البصريين، وأما نصبه على التمييز فالمحفوظ من لسان العرب المشهور أن مائة لا يفسر إلا بمفرد مجرور، وإن قوله إذا عاش الفتى مائتين عاما من الضرورات ولا سيما وقد انضاف إلى ذلك كون * (سنين) * جمعا. وقرأ حمزة والكسائي وطلحة ويحيى والأعمش والحسن وابن أبي ليلى وخلف وابن سعدان وابن عيسى الأصبهاني وابن جبير الأنطاكي مائة بغير تنوين مضافا إلى * (سنين) * أوقع الجمع موقع المفرد، وأنحى أبو حاتم على هذه القراءة ولا يجوز له ذلك. وقال أبو علي: هذه تضاف في المشهور إلى المفرد، وقد تضاف إلى الجمع. وقرأ أبي سنة وكذا في مصحف عبد الله. وقرأ الضحاك: سنون بالواو على إضمار هي سنون. وقرأ الحسن وأبو عمرو في رواية اللؤلؤي عنه * (تسعا) * بفتح التاء كما قالوا عشر.
ثم ذكر اختصاصه بما غاب في السماوات والأرض وخفي فيها من أحوال أهلها، وجاء بما دل على التعجب من إدراكه للمسموعات والمبصرات للدلالة على أن أمره في الإدراك خارج عن حد ما عليه إدراك السامعين والمبصرين، لأنه يدرك ألطف الأشياء وأصغرها كما يدرك أكبرها حجما وأكثفها جرما، ويدرك البواطن كما يدرك الظواهر والضمير في * (به) * عائد على