تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١١٨
حفه: طاف به من جوانبه. قال الشاعر:
* يحفه جانبا نيق ويتبعه * مثل الزجاجة لم يكحل من الرمد وحففته به: جعلته مطيفا به، وحف به القوم صاروا في حفته، وهي جوانبه. كلتا: اسم مفرد اللفظ عند البصريين مثنى المعنى. ومثنى لفظا، ومعنى عند البغداديين وتاؤه عند البصريين غير الجرمي بدل من واو فاصله كلوى، والألف فيه للتأنيث وزائدة عند الجرمي، والألف منقلبة عن أصلها ووزنها عنده فعيل. المحاورة: مراجعة الكلام من حار إذا رجع. البيدودة الهلاك، ويقال منه: باد يبيد بيودا وبيدودة. قال الشاعر:
* فلئن باد أهله لبما كان يوهل * النطفة القليل من الماء، يقال ما في القربة من الماء نطفة، المعنى ليس فيها قليل ولا كثير، وسمي المني نطفة لأنه ينطف أي يقطر قطرة بعد قطرة. وفي الحديث: جاء ورأسه ينطف ماء أي يقطر. الحسبان في اللغة الحساب، ويأتي أقوال أهل التفسير فيه. الزلق: ما لا يثبت فيه القدم من الأرض.
* (واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لاحدهما جنتين من أعناب وحففناهما * هما * بنخل وجعلنا بينهما زرعا * كلتا الجنتين اتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا * وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا * ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هاذه أبدا * وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربى لاجدن خيرا منها منقلبا) *.
قيل نزلت في أخوين من بني مخزوم الأسود بن عبد الأسود بن عبد ياليل وكان كافرا، وأبي سلمة عبد الله بن الأسود كان مؤمنا. وقيل: أخوان من بني إسرائيل فرطوس وهو الكافر وقيل: اسمه قطفير، ويهوذا وهو المؤمن في قول ابن عباس. وقال مقاتل: اسمه تمليخا وهو المذكور في الصافات في قوله * (قال قائل منهم إنى كان لى قرين) * وعن ابن عباس أنهما ابنا ملك من بني إسرائيل أنفق أحدهما ماله في سبيل الله وكفر الآخر واشتغل بزينة الدنيا وتنمية ماله. وعن مكي أنهما رجلان من بني إسرائيل اشتركا في مال كافر ستة آلاف فاقتسماها. وروي أنهما كانا حدادين كسبا مالا. وروي أنهما ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار، فاشترى الكافر أرضا بألف وبني دارا بألف وتزوج امرأة بألف واشترى خدما ومتاعا بألف، واشترى المؤمن أرضا في الجنة بألف فتصدق به، وجعل ألفا صداقا للحور فتصدق به، واشترى الولدان المخلدين بألف فتصدق به، ثم أصابته حاجة فجلس لأخيه على طريقة فمر في حشمه فتعرض له فطرده ووبخه على التصديق بماله.
والضمير في * (لهم) * عائد على المتجبرين الطالبين من الرسول صلى الله عليه وسلم) طرد الضعفاء المؤمنين، فالرجل الكافر بإزاء المتجبرين والرجل المؤمن بإزاء ضعفاء المؤمنين، وظهر بضرب هذا المثل الربط بين هذه الآية والتي قبلها إذ كان من أشرك إنما افتخر بماله وأنصاره، وهذا قد يزول فيصير الغني فقيرا، وإنما المفاخرة بطاعة الله والتقدير * (واضرب لهم مثلا) * قصة * (رجلين) * وجعلنا تفسير للمثل فلا موضع له من الإعراب، ويجوز أن يكون موضعه نصبا نعتا لرجلين. وأبهم في قوله * (جعلنا لاحدهما) * وتبين أنه هو الكافر الشاك في البعث، وأبهم تعالى مكان الجنتين إذ لا يتعلق بتعيينه كبير فائدة. وذكر إبراهيم بن القاسم الكاتب في كتابه في عجائب البلاد أن بحيرة تنيس كانت هاتين الجنتين وكانتا لأخوين، فباع أحدهما نصيبه من الآخر وأنفقه في طاعة الله حتى عيره الآخر، وجرت بينهما هذه المحاورة قال: فغرقها الله في ليلة وإياهما عنى بهذه الآية. قال ابن عطية: وتأمل هذه الهيئة التي ذكر الله فإن المرء لا يكاد يتخيل أجل منهما في مكاسب الناس جنتا عنب أحاط بهما نخل بينهما
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»