تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١١٦
بالوجوه عن جميع أبدانهم، والمعنى أنه ينضج به جميع جلودهم كقوله * (كلما نضجت جلودهم) * والمخصوص بالذم محذوف تقديره * (بئس الشراب) * هو أي الماء الذي يغاثون به. والضمير في * (ساءت) * عائد على النار. والمرتفق قال ابن عباس: المنزل. وقال عطاء: المقر. وقال القتبي: المجلس. وقال مجاهد: المجتمع، وأنكر الطبري أن يعرف لقول مجاهد معنى، وليس كذلك كان مجاهدا ذهب إلى معنى الرفاقة ومنه الرفقة. وقال أبو عبيدة: المتكأ. وقال الزجاج: المتكأ على المرفق، وأخذه الزمخشري فقال: متكأ من المرفق وهذا لمشاكلة قوله * (وحسنت مرتفقا) * وإلا فلا ارتفاق لأهل النار ولا اتكاء. وقال ابن الأنباري: ساءت مطلبا للرفق، لأن من طلب رفقا من جهنم عدمه. وقال ابن عطية: قريبا من قول ابن الأنباري. قال: والأظهر عندي أن يكون المرتفق بمعنى الشيء الذي يطلب رفقه باتكاء وغيره. وقال أبو عبد الله الرازي: والمعنى بئس الرفقاء هؤلاء، وبئس موضع الترافق النار.
2 (* (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا * أولائك لهم جنات عدن تجرى من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الا رآئك نعم الثواب وحسنت مرتفقا) *)) 2 * (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا * أولئك لهم جنات عدن تجرى من تحتهم الانهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس) *.
لما ذكر تعالى حال أهل الكفر وما أعد لهم في النار ذكر حال أهل الإيمان وما أعد لهم في الجنة، وخبر * (ءان) * يحتمل أن تكون الجملة من قوله أولئك لهم. وقوله * (إنا لا نضيع) * الجملة اعتراض. قال ابن عطية: ونحو هذا من الاعتراض قول الشاعر:
* إن الخليفة إن الله ألبسه * سربال ملك به ترجى الخواتيم * انتهى، ولا يتعين في قوله إن الله ألبسه أن يكون اعتراضا هي اسم إن وخبرها الذي هو ترجى الخواتيم، يجوز أن يكون إن الله ألبسه هو الخبر، ويحتمل أن يكون الخبر قوله * (إنا لا نضيع أجر) * والعائد محذوف تقديره * (من أحسن عملا) * منهم. أو هو قوله * (من أحسن عملا) * على مذهب الأخفش في ربطه الجملة بالاسم إذا كان هو المبتدأ في المعنى، لأن * (من أحسن عملا) * هم * (الذين ءامنوا وعملوا الصالحات) * فكأنه قال: إنا لا نضيع أجرهم، ويحتمل أن تكون الجملتان خبرين لأن على مذهب من يقتضي المبتدأ خبرين فصاعدا من غير شرط أن يكونا، أو يكن في معنى خبر. واحد.
وإذا كان خبر * (ءان) * قوله * (إنا لا نضيع) * كان قوله * (أولائك) * استئناف أخبار موضح لما انبهم في قوله * (إنا لا نضيع) * من مبهم الجزاء. وقرأ عيسى الثقفي * (لا نضيع) * من ضيع عداه بالتضعيف، والجمهور من أضاع عدوه بالهمزة، ولما ذكر مكان أهل الكفر وهو النار. ذكر مكان أهل الإيمان وهي * (جنات عدن) * ولما ذكر هناك ما يغاثون به وهو الماء كالمهل ذكر هنا ما خص به أهل الجنة من كون الأنهار تجري من تحتهم، ثم ذكر ما أنعم عليهم من التحلية واللباس اللذين هما زينة ظاهرة. وقال سعيد بن جبير: يحلى كل واحد ثلاثة أساور سوار من ذهب، وسوار من فضة، وسوار من لؤلؤ ويواقيت.
وقال الزمخشري: و * (من) * الأول للابتداء والثانية للتبيين، وتنكير * (أساور) * لإبهام أمرها في الحسن انتهى. ويحتمل أن تكون * (من) * في قوله * (من ذهب) * للتبعيض لا للتبيين. وقرأ أبان عن عاصم من أسورة من غير ألف وبزيادة هاء وهو جمع سوار. وقرأ أيضا أبان عن عاصم وابن أبي حماد عن أبي بكر: * (ويلبسون) * بكسر الباء. وقرأ ابن محيصن * (وإستبرق) * بوصل الألف وفتح القاف حيث وقع جعله فعلا ماضيا على وزن استفعل من البريق، ويكون استفعل فيه موافقا للمجرد الذي هو برق كما تقول: قر واستقر بفتح القاف ذكره الأهوازي في الإقناع عن ابن محيصن. قال ابن محيصن. وحده: * (وإستبرق) * بالوصل وفتح القاف حيث كان لا يصرفه
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»