أظلم ممن افترى على الله كذبا، أو قال: أوحي إلي ولم يوح إليه شيء، ومن قال: سأنزل مثل ما أنزل الله وقد قام الدليل القاطع على أن هذا القرآن هو من عند الله، وقد كذبتم بآياته، فلا أحد أظلم منكم. والاعتبار الثاني: أن ذلك توطئة لما يأتي بعده من عبادة الأوثان أي: لا أحد أظلم منكم في افترائكم على الله أن له شريكا، وأن له ولدا، وفيما نسبتم إليه من التحليل والتحريم.
* (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا) *: الضمير في ويعبدون عائد على كفار قريش الذين تقدمت محاورتهم. وما لا يضرهم ولا ينفعهم هو الأصنام، جماد لا تقدر على نفع ولا ضر. قيل: إن عبدوها لم تنفعهم، وإن تركوا عبادتها لم تضرهم. ومن حق المعبود أن يكون مثيبا على الطاعة معاقبا على المعصية، وكان أهل الطائف يعبدون اللات، وأهل مكة العزى ومناة وأسافا ونائلة وهبل، والأخبار بهذا عن الكفار هو على سبيل التجهيل والتحقير لهم ولمعبوداتهم، والتنبيه على أنهم عبدوا من لا يستحق العبادة. وفي قوله: من دون الله، دلالة على أنهم كانوا يعبدون الأصنام ولا يعبدون الله. قال ابن إسحاق: يعنون في الآخرة. وقال النضر بن الحرث: إذا كان يوم القيامة شفعت في اللات والعزى. وقال الحسن: شفعاؤنا في إصلاح معايشنا في الدنيا لأنهم لا يقرون بالبعث. وأتنبئون استفهام على سبيل التهكم بما ادعوه من المحال الذي هو شفاعة الأصنام، وإعلام بأن الذي أنبأوا به باطل غير منطو تحت الصحة، فكأنهم يخبرونه بشيء لا يتعلق به علمه، وما موصولة بمعنى الذي.
قال الزمخشري: بكونهم شفعاء عنده، وهو إنباء ما ليس بمعلوم لله تعالى، وإذا لم يكن معلوما له وهو العالم الذات المحيط بجميع المعلومات لم يكن شيئا لأن الشيء ما يعلم ويخبر عنه فكان خبرا ليس له مخبر عنه انتهى. فتكون ما واقعة على الشفاعة، والفاعل بيعلم هو الله، والمفعول الضمير المحذوف العائد على ما. وقوله: في السماوات ولا في الأرض تأكيد لنفيه، لأن ما لم يوجد فيهما فهو منتف معدوم قاله الزمخشري. وفي التحرير: أتنبئون، معناه التهكم والتقريع والتوبيخ والإنكار، والمعنى على هذا: أتخبرون الله بما يعلم خلافه في السماوات والأرض، فإن صفات الذات لا يجري فيها النفي. وقيل: أتخبرون الله بما لا يعلمه موجودا في السماوات والأرض، فكيف يصح وجود ما لا يعلمه الله، وهو كما يقال للرجل: قد قلت كذا، فيقول: ما علم الله هذا مني، أي ما كان هذا قط، إذ لو كان لعلمه الله انتهى.
والذي يظهر أن ما موصول يراد به الأصنام لا الشفاعة التي ادعوها، والفاعل بيعلم ضمير يعود على ما لا على الله، وذلك على حذف مضاف والمعنى: قل أتعلمون الله بشفاعة الأصنام التي انتفي علمها في السماوات والأرض أي: ليست متصفة بعلم البتة، فيكون ذلك ردا عليهم في دعواهم أنها تشفع عند الله، لأن من كان منتفيا عنه العلم فكيف يشفع وهو لا يعلم من يشفع فيه، ولا ما يشفع فيه، ولا من تشفع عنده؟ كما رد عليهم في العبادة بقوله: ما لا يضرهم ولا ينفعهم، فانتفاء الضر والنفع قادح في العبادة، وانتفاء العلم قادح في الشفاعة، فتبطل العبادة ودعوى الشفاعة، ويكون قوله: في السماوات والأرض على هذا تنبيها على محال المعبودات المدعي شفاعتهم، إذ من المعبودات السماوية الكواكب كالشمس والشعرى. وقرئ: أتنبئون بالتخفيف من أنبأ. ولما ذكر تعالى عبادتهم ما لا يضر ولا ينفع، وكان ذلك إشراكا، استأنف تنزيها بقوله سبحانه وتعال. وما يحتمل أن تكون بمعنى الذي ومصدرية أي: شركاهم الذين يشركونهم به، أو عن إشراكهم. وقرأ العربيان والحرميان وعاصم: يشركون بالياء على الغيبة هنا، وفي حرفي النحل، وحرفي في الروم. وذكر أبو حاتم أنه قرأها كذلك الحسن والأعرج وابن القعقاع وشيبة وحميد وطلحة والأعمش. وقرأ ابن كثير ونافع، وابن عامر، في النمل فقط بالياء على الخطاب، وعاصم وأبو عمرو بالياء على الغيبة. وقرأ حمزة والكسائي الخمسة بالتاء على الخطاب، وأتى بالمضارع ولم