تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ١٤٩
وقيل للغائب عن أهله عازب، حتى قالوه لمن لا زوجة له.
* (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) *: أحسنوا قال ابن عباس: ذكروا كلمة لا إله إلا الله. وقال الأصم: أحسنوا في كل ما تعبدوا به أي: أتوا بالمأمور به كما ينبغي، واجتنبوا المنهى. وقيل: أحسنوا معاملة الناس. وروي أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم): (أحسنوا العمل في الدنيا) وفي الصحيح: (ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) وعن عيسى عليه السلام: ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك ذلك مكافأة، ولكن الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك).
والحسنى قال الأكثرون: هي الجنة، وروي ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم)، ولو صح وجب المصير إليه. وقال الطبري: الحسنى عام في كل حسن، فهو يعم جميع ما قبل ووعد الله في جميعها بالزيادة، ويؤيد ذلك أيضا قوله: أولئك أصحاب الجنة. ولو كان معنى الحسنى الجنة لكان في القول تكرير في المعنى. وقال عبد الرحمن بن سابط: هي النضرة. وقال ابن زيد: الجزاء في الآخرة. وقيل: الأمنية ذكره ابن الأنباري. وقال الزمخشري: المثوبة الحسنى وزيادة، وما يزيد على المثوبة وهو التفضل، ويدل عليه قوله تعالى: * (ويزيدهم من فضله) * وعن علي: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة. وعن ابن عباس: الحسنى الحسنة والزيادة عشرة أمثالها. وعن الحسن: عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. وعن مجاهد: الزيادة مغفرة من الله ورضوان. وعن زياد بن شجرة: الزيادة أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول: ما تريدون أن أمطركم؟ فلا يريدون شيئا إلا أمطرتهم. وزعمت المشبهة والمجبرة أن الزيادة النظر إلى وجه الله تعالى، وجاءت بحديث موضوع: * (إذا دخلوا * أهل * الجنة * الجنة * الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء لا إلاه إلا هو العزيز الحكيم * هو الذى أنزل عليك الكتاب منه) * انتهى. أما تفسيره أولا ونقله عمن ذكر تفسير الزيادة فهو نص الجبائي ونقله، وأما قوله: وجاءت بحديث موضوع فليس بموضوع، بل خرجه مسلم في صحيحه عن صهيب، والنسائي عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم)، وخرجه ابن المبارك في دقائقه موقوفا على أبي موسى وقال: بأن الزيادة هي النظر إلى الله تعالى أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، في رواية وحذيفة، وعبادة بن الصامت، وكعب بن عجرة، وأبو موسى، وصهيب، وابن عباس في رواية، وهو قول جماعة من التابعين. ومسألة الرؤية يبحث فيها في أصول الدين. قال مجاهد: أراد ولا يلحقها خزي، والخزي يتغير به الوجه ويسود. قال ابن ابن عباس: والذلة الكآبة. وقال غيره: الهوان. وقيل: الخيبة نفي عن المحسنين ما أثبت للكفار من قوله: * (وترهقهم ذلة) * وقوله: * (عليها غبرة * ترهقها قترة) * وكنى بالوجه عن الجملة لكونه أشرفها، ولظهور أثر السرور والحزن فيه. وقرأ الحسن، وأبو رجاء، وعيسى بن عمر، والأعمش: قتر بسكون التاء، وهي لغة كالقدر، والقدر وجعلوا أصحاب الجنة لتصرفهم فيها كما يتصرف الملاك على حسب اختيارهم.
* (والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من) *: لما ذكر ما أعد للذين أحسنوا وحالهم يوم القيامة ومآلهم إلى الجنة، ذكر ما أعد لأضدادهم وحالهم ومآلهم، وجاءت صلة المؤمنين أحسنوا، وصلة الكافرين كسبوا السيئات، تنبيها على أن المؤمن لما خلق على الفطرة وأصلها بالإحسان، وعلى أن الكافر لما خلق على الفطرة انتقل عنها وكسب السيئات، فجعل ذلك محسنا، وهذا كاسبا للسيئات، ليدل على أن المؤمن سلك ما ينبغي، وهذا سلك ما لا ينبغي. والظاهر أن والذين مبتدأ، وجوزوا في الخبر وجوها أحدها: أنه الجملة التي بعده وهي جزاء سيئة بمثلها
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»