فأكرمه، وجاءك خالد فأحسن إليه، وكأن أداة الشرط مذكورة. وقال الزمخشري: هي بدل من ظنوا لادعائهم من لوازم ظنهم الهلاك، فهو ملتبس به انتهى. وكان أستاذنا أبو جعفر بن الزبير يخرج هذه الآية على غير ما ذكروا ويقول: هو جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فما كان حالهم إذ ذاك؟ فقيل: دعوا الله مخلصين له الدين انتهى. ومعنى الإخلاص إفراده بالدعاء من غير إشراك أصنام ولا غيرها، قال معناه: ابن عباس وابن زيد. وقال الحسن: مخلصين لا إخلاص إيمان، لكن لأجعل العلم بأنه لا ينجيهم من ذلك إلا الله، فيكون ذلك جاريا مجرى الإيمان الاضطراري انتهى. والاعتراف بالله مركوز في طبائع العالم، وهم مجبولون على أنه المتصرف في الأشياء، ولذلك إذا حقت الحقائق رجعوا إليه كلهم مؤمنهم وكافرهم، لئن أنجيتنا ثم قسم محذوف، وذلك القسم وما بعده محكي بقول أي: قائلين. أو أجرى دعوا مجرى قالوا، لأنه نوع من القول، والإشارة بهذه إلى الشدائد التي هم فيها. وقال الكلبي: إلى الريح العاصف.
* (فلما أنجاهم إذا هم يبغون فى الارض بغير الحق ياأيها * أيها الناس * فلما أنجاهم إذا هم يبغون فى الارض بغير الحق ياأيها الناس إنما بغيكم على) *: قال ابن عباس: يبغون بالدعاء إلى عبادة غير الله والعمل بالمعاصي والفساد. قال الزمخشري: (فإن قلت): ما معنى قوله بغير الحق، والبغي لا يكون بحق؟ (قلت): بلى وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة، وهدم دورهم، وإحراق زروعهم، وقطع أشجارهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) ببني قريظة انتهى. وكأنه قد شرح قوله: يبغون بأنهم يفسدون، ويبعثون مترقين في ذلك ممعنين فيه من بغي الجرح إذا ترقى للفساد انتهى. قال الزجاج: البغي الترقي في الفساد. وقال الأصمعي: بغي الجرح ترقي إلى الفساد، وبغت المرأة فجرت انتهى. ولا يصح أن يقال في المسلمين إنهم باغون على الكفرة، إلا إن ذكر أن أصل البغي هو الطلب مطلقا ولا يتضمن الفساد، فحينئذ ينقسم إلى طلب بحق، وطلب بغير حق. ولما حمل ابن عطية البغي هنا على الفساد قال: أكد ذلك بقوله بغير الحق. وجواب لما إذا الفجائية وما بعدها، ومجئ إذا وما بعدها جوابا لها دليل على أنها حرف يترتب ما بعدها من الجواب على ما قبله من الفعل الذي بعد لما، وأنها تفيد الترتب والتعليق في المضي، وأنها كما قال سيبويه: حرف. ومذهب غيره أنها ظرف، وقد أوضحنا ذلك فيما كتبناه في علم النحو. والجواب بإذا الفجائية دليل على أنه لم يتأخر بغيهم عن إنجائهم، بل بنفس ما وقع الإنجاء وقع البغي، والخطاب بيا أيها الناس، قال الجمهور: لأهل مكة. والذي يظهر أنه خطاب لأولئك الذين أنجاهم الله وبغوا، ويحتمل كما قالوا: العموم، فيندرج أولئك فيهم، وهذا ذم للبغي في أوجز لفظ. ومعنى على أنفسكم. وبال البغي عليكم، ولا يجني ثمرته لا أنتم. فقوله: على أنفسكم، خبر للمبتدأ الذي هو بغيكم، فيتعلق بمحذوف. وعلى هذا التوجيه انتصب متاع في قراءة زيد بن علي وحفص، وابن أبي إسحاق، وهارون، عن ابن كثير: على أنه مصدر في موضع الحال أي: متمتعين، أو باقيا على المصدرية أي: يتمتعون به متاع، أو نصبا على الظرف نحو: مقدم الحاج أي وقت متاع الحياة الدنيا. وكل هذه التوجيهات منقولة. والعامل في متاع إذا كان حالا أو ظرفا ما تعلق به خبر بعيكم أي: كائن على أنفسكم، ولا ينتصبان ببغيكم، لأنه مصدر قد فصل بينه وبين معموله بالخبر، وهو غير جائز. وارتفع متاع في قراءة الجمهور على أنه خبر مبتدأ محذوف. وأجاز النحاس، وتبعه الزمخشري، أن يكون على أنفسكم متعلقا بقوله: بغيكم، كما تعلق في قوله، فبغى عليهم، ويكون الخبر متاع إذا رفعته. ومعنى على أنفسكم: على أمثالكم. والذين جنسكم جنسهم يعني بغى بعضكم على بعض منفعة الحياة الدنيا. وقرأ ابن أبي إسحاق أيضا: متاعا الحياة الدنيا بنصب متاع وتنوينه، ونصب الحياة. وقال سفيان بن عيينة: في هذه الجملة تعجل لكم عقوبته في الحياة الدنيا. وقرأ فرقة: فينبئكم بالياء على