وقيل معناه لا تعتقدوا تحريم ما أحله الله لكم.
وقيل: لا تحرموا على نفسكم بالفتوى.
وقيل لا تلتزموا تحريمها بنذر أو يمين لقوله: * (لم تحرم ما أحل الله لك) *. وقيل: خلط المغصوب بالمملوك خلطا لا يتميز منه فيحرم الجميع ويكون ذلك سببا لتحريم ما كان حلالا * (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) * هذا نهي عن الاعتداء فيدخل فيه جميع أنواع الاعتداء ولا سيما ما نزلت الآية بسببه.
قال الحسن: لا تجاوزوا ما حد لكم من الحلال إلى الحرام، واتبعه الزمخشري فقال: ولا تتعدوا حدود ما أحل الله لكم إلى ما حرم عليكم، وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وإبراهيم: لا تعتدوا بالخنا وتحريم النساء، وقال عكرمة أيضا: لا تسيروا بغير سيرة الإسلام، وقال السدي وعكرمة أيضا: هو نهي عن هذه الأمور المذكورة من تحريم ما أحل الله، فهو تأكيد لقوله * (لا تحرموا) * وقيل: ولا تعتدوا بالإسراف في تناول الطيبات كقوله: * (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) * * (وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا) * تقدم تفسير مثلها في قوله: * (النار يأيها الناس كلوا مما فى الارض حلالا طيبا) * * (واتقوا الله الذى أنتم به مؤمنون) * تأكيد للوصية بما أمر به وزاده تأكيدا بقوله: * (الذى أنتم به مؤمنون) * لأن الإيمان به يحمل على التقوى في امتثال ما أمر به واجتناب ما نهي عنه.
* (لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولاكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) * تقدم الكلام في تفسير نظير هذه الجملة، ومعنى * (عقدتم) * وثقتم بالقصد والنية، وقرأ الحرميان وأبو عمر بتشديد القاف، وقرأ الأخوان وأبو بكر بتخفيفها، وابن ذكوان بألف بين العين والقاف، وقرأ الأعمش بما عقدت الأيمان جعل الفعل للأيمان فالتشديد إما للتكثير بالنسة إلى الجمع، وأما لكونه بمعنى المجرد نحو قدر وقدر، والتخفيف هو الأصل، وبالألف بمعنى المجرد نحو جاوزت الشيء وجزته، وقاطعته وقطعته، أي هجرته. وقال أبو علي الفارسي: عاقدتم يحتمل أمرين أحدهما أن يكون كطارقت النعل وعاقبت اللص، انتهى، وليس مثله لأنك لا تقول طرقت النعل ولا عقبت اللص بغير ألف، وهذا تقول فيه عاقدت اليمين وعقدت ياليمين، وقال الحطيئة:
قوم إذا عاقدوا عقدا لجارهم فجعله بمعنى المجرد وهو الظاهر كما ذكرناه.
قال أبو علي: والآخر أن يراد به فاعلت التي تقتضي فاعلين كأن المعنى بما عاقدتم عليه الأيمان عداه بعلى لما كان بمعنى عاهد، قال: * (بما عاهد عليه الله) * كما عدى * (ناديتم إلى الصلواة) * * (* بإلى) *، وبابها أن تقول ناديت زيدا * (نبيا وناديناه من جانب الطور الايمن) * لما كانت بمعنى دعوت إلى كذا قال * (ممن دعا إلى الله) * ثم اتسع فحذف الجار ونقل الفعل إلى المفعول، ثم المضمر العائد من الصلة إلى الموصول، إذ صار بما عاقدتموه الأيمان، كما حذف من قوله * (فاصدع بما تؤمر) * انتهى، وجعل عاقد لاقتسام الفاعلية والمفعولية لفظا والاشتراك فيهما معنى بعيد إذ يصير المعنى أن اليمين عاقدته كما عاقدها إذ نسب ذلك إليه وهو عقدها هو على سبيل الحقيقة، ونسبة ذلك إلى اليمين هو على سبيل المجاز لأنها لم تعقده بل هو الذي عقدها. وأما تقديره بما عاقدتم عليه وحذف حرف الجر، ثم الضمير على التدريج الذي ذكره فهو أيضا بعيد، وليس تنظيره ذلك بقوله * (فاصدع بما تؤمر) * بسديد لأن أمر يتعدى بحرف الجر تارة وبنفسه تارة إلى المفعول الثاني وإن كان أصله الحذف تقول أمرت زيدا الخير، وأمرته بالخير، ولأنه لا يتعين في * (فاصدع بما تؤمر) * أن تكون ما موصولة بمعنى الذي، بل يظهر أنها