تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٤
تنقصونهم عن مقدار نفقتهم ولكن تساوون بينهم وبينهم * (فان * قلت ما * عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم) * عطف على محل * (من أوسط) * فدل على أنه ليس قوله * (من أوسط) * في موضع مفعول ثان بالمصدر بل انقضى عنده الكلام في قوله * (إطعام عشرة مساكين) * ثم أضمر مبتدأ أخبر عنه بالجار والمجرور يبينه ما قبله تقديره طعامهم من أوسط، وعلى ما ذكرناه من أن * (من أوسط) * في موضع نصب تكون الكاف في * (* كاسوتهم) * في موضع نصب لأنه معطوف على محل * (مساكين من أوسط) * وهو عندنا منصوب، وإذا فسرت * (* كاسوتهم) * في الطعام بقيت الآية عارية من ذكر الكسوة، وأجمع العلماء على أن الحانث مخير بين الإطعام والكسوة والعتق وهي مخالفة لسواد المصحف، وقال بعضهم * (أو) * في الكسوة، والظاهر أنه لا يجزئ إخراج قيمة الطعام والكسوة به قال الشافعي، وقال أبو حنيفة، يجزئ، والظاهر أنه لم يقيد المساكين بوصف فيجوز صرف ذلك إلى الذمي والعبد وبه قال أبو حنيفة، وقال غيره لا يجزئ، واتفقوا على أنه لا يجزئ دفع ذلك إلى المرتد.
* (كسوتهم أو تحرير رقبة) * تسمية الإنسان رقبة تسمية الكل بالجزء وخص بذلك لأن الرقبة غالبا محل للتوثق والاستمساك فهو موضع الملك، وكذلك أطلق عليه رأس، والتحرير يكون بالإخراج عن الرق وعن الأسر وعن المشقة وعن التعب، وقال الفرزدق:
* أبني غدانة إنني حررتكم * فوهبتكم لعطية بن جعال * أي حررتكم من الهجا، والظاهر حصول الكفارة بتحرير ما يصدر عليه رقبة من غير اعتبار شيء آخر فيجزىء عتق الكفار وبه قال داود وجماعة من أهل الظاهر، وقال أبو حنيفة يجزئ الكافر ومن به نقص يسير من ذوي العاهات، واختار الطبري إجزاء الكافرة، وقال مالك: لا يجزئ كافر ولا أعمى ولا أبرص ولا مجنون، وقال ابن شهاب وجماعة: وفرق النخعي فأجاز عتق من يعمل أشغاله ويخدم ومنع عتق من لا يعمل كالأعمى والمقعد وأشل اليدين.
* (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) * أي فمن لم يجد أحد هذه الثلاثة من الإطعام والكسوة والعتق فلو كان ماله في غير بلده ووجد من يسلفه لم ينتقل إلى الصوم أو لم يجد من يسلفه فقيل لا يلزمه انتظار ماله من بلده ويصوم وهو الظاهر لأنه غير واجد الآن، وقيل ينتظر والظاهر أنه إذا كان عنده فضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقتهم يومه وليلته وعن كسوتهم بقدر ما يطعم أو يكسو فهو واجد. وبه قال أحمد وإسحاق والشافعي ومالك، وقال مالك إلا أن يخاف الجوع أو يكون في بلد لا يعطف عليه فيه، وقال ابن جبير: إن لم يكن له إلا ثلاثة دراهم أطعم، وقال قتادة إذا لم يكن إلا قدر ما يكفر به صام، وقال الحسن إذا كان له درهمان أطعم، وقال أبو حنيفة إذا لم يكن عنده نصاب فهو غير واجد، وقال آخرون جائز لمن لم يكن عنده فضل على رأس ماله الذي يتصرف به في معاشه أو يصوم، والظاهر أنه لا يشترط التتابع. وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه، وقال ابن عباس ومجاهد وإبراهيم وقتادة وطاوس وأبو حنيفة: يشترط. وقرأ أبي وعبد الله والنخعي. * (أيام) * واتفقوا على أن العتق أفضل، ثم الكسوة، ثم الإطعام وبدأ الله بالأيسر فالأيسر على الحال، وهذه الكفارة التي نص الله عليها لازمة للحر المسلم، وإذا حنث العبد فقال سفيان وأبو حنيفة والشافعي ليس عليه إلا الصوم لا يجزئه غيره، وحكى ابن نافع عن مالك لا يكفر بالعتق لأنه لا يكون له ولاء ولكن يكفر بالصدقة إن أذن له سيده، والصوم أصوب، وحكى ابن القاسم عنه أنه قال إن أطعم أو كسى بإذن السيد فما هو بالبين وفي قلبي منه شيء،
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»